ومن الممكن، خاصة فيما يتعلق بادعاء الملكية، أن تتعارض بينات أطراف الخصومة، وتهتم نصوص الفقه بتعارض البينات وتحاول أن تقضى على النزاع بإعلان أن أحد الأدلة أقوى من غيره على أساس المقاييس التي تخللف بين المذاهب المتعددة، وقد تؤدى إلى حلول متفاوتة. وإذا تساوت الأدلة المذكورة فإن الحلول تختلف، حتى في حدود المذاهب نفسها، بين الفسخ المتبادل والالتجاء إلى صيغة دليل إضاقية حاسمة. وبين الحكم عليها بالقيمة الاسمية- التي تستلزم عندئذ إما تقسيم المال أو سحب الأنصبة.
ومع أن البينة قد تكون لها الغلبة باعتبارها وسيلة إثبات فإن من الصعب أن نعدها في كل الظروف أقوى من الإقرار، أو من مصطلح أقل شيوعًا وهو الاعتراف. والحق إن ابن حزم الظاهرى يذكر النقيض صراحة في كتابه المحلى، (جـ ٩، ص ٤٢٦). ويقتضى المبدأ في الإقرار أهلية أدنى من الشهادة، لأنه يفترض أساسًا الصدق في الشخص الذي يصدر الإقرار. ولكن المؤلفين يميزون عادة- وهم في ذلك لا يجانبهم المنطق- في هذا المجال بين الإقرار الذي لا يكون له أثر ملزم إلا على نفس من يصدره، والإقرار الذي يؤثر في حق الغير، وتخللف قوتهما الفاصلة ونتائجهما الشرعية اختلافًا كبيرًا.
ولعل من المناسب في موضوع البينة أن يدخل في الحكم عليها رأى الخبير الذي قد يطلبه القاضي، وفضلا عن ذلك فإنه إذا كان لأحد أن يحاول تكوين نظرية عامة عن الدليل في الشريعة الإسلامية فإن من المناسب أن يعمل حسابًا للجدل الذي دار حول علم القاضي الشخصى بحقائق قضية، لتأكيد الأهمية الكبيرة للافتراضات الشرعية وكثرتها، ولتسجيل شأن بعض الأدلة المساعدة أو الخطوات الأولى المتخذة في دليل تعترف به الشريعة وشأن هذه الأدلة. وفي مجال هذا الدليل الشرعي يمكن ملاحظة اتجاهين: الرغبة في إثبات ما هو أرجح، على نحو إنسانى، بوسائل تنظمها قواعد، أكثر من السعي وراء الحقيقة الخالصة التي لا يعلمها على وجه اليقين غير الله، واتجاه نحو العقلاخية،