nard) يترجمان فيهما عن نفسيهما. على أن ذلك لم يكن قد هدد بعد النظام القائم بالغا ما بلغ جور الحاكم، ولكن الفقهاء والمتكلمين أسخطهم أن يروا أناسا يتحدثون عن نشدان الضمير ويحتكمون إلى قضائه الباطن، في حين أن شريعة القرآن تحاسب على الأعمال الظاهرة وتعاقب الناس على آثامهم ولا حيلة لها مع النفاق في الدين، ولذلك حاولوا أن يبينوا أن حياة الصوفية لا محالة مفضية بهم إلى الزيغ, لأنهم يقولون إن النية مقدمة على العمل وإن السنة خير من الفرض وإن الطاعة خير من العبادة.
وكان الخوارج أول الفرق الإسلامية التي أظهرت عداوتها للصوفية، وهذا باد فيما وقع للحسن البصري. ثم جاءت الإمامية (الزيدية والاثنا عشرية والغلاة) في القرن الثالث الهجرى فأنكروا كل نزوع إلى التصوف لأنه يستحدث بين المؤمنين ضربًا من الحياة الشاذة (صوف، خانقاه) تتمثل في طلب الرضا من غير توسل بالأئمة الاثنى عشر وطلب إمامة تناقض ما جروا عليه من تَقِيَّة.
وأبطأ أهل السنة في بيان موقفهم وأجمعوا على إنكار التصوف، ودحضه فريقان منهم الحَشْويَّة، وابن حنبل يأخذ على التصوف أنَّه يغذى التفكر ويصرف أصحابه عن مظاهر العبادة ويحملهم على طلب الخلة مع الله فيستبيحون إغفال الفرائض. وخشيش وأبو زرعة، وهما ممن تتلمذ لابن حنبل، يجعلان المتصوفة طائفة من الزنادقة (الروحانية).
أما المعتزلة والظاهرية فيستنكرون العشق, لأنه يقوم من الناحية النظرية على التشبيه، ويقوم من الناحية العلمية على الملامسة والحلول.
ولكن الواقع أن أهل السنة لم يقولوا بمروق المعتدلين من المتصوفة، فقد دأب أهل السنة على الاهتداء في معاملاتهم وعباداتهم بالرسائل المشهورة التي ألفها ابن أبي الدنيا المتوفى عام ١٨١ هـ (٨٩٤ م) ثم بعيون التواليف مثل كتاب "قوت القلوب" لأبي طالب المكي المتوفى عام ٣٨٦ هـ (٩٩٦ م) وكتاب الإحياء للغزالى بصفة خاصة، وكان