شتى المواطن مصطلحات حوروها بعض الشيء دون أن يحددوا لها معنى. ومن قبيل ذلك أن شقيقا استعمل لفظ "التوكل"، والمصرى وابن كَرَام لفظ "المعرفة", والمصرى والبسطامى لفظ "الفناء" وهو ضد "البقاء"(انظر سورة الرحمن، الآيتين ٢٦ , ٢٧)، والخرّاز لفظ "عين الجمع"، والترمذي لفظ "الولاية" إلخ. وقد انتهج التصوف الإسلامي في عهده الأول هذا السبيل فألقى بنفسه في مزالق ما وراء الطبيعة التي عرض لها المتكلمون الأول وفي مسائل الجوهر الفرد والمادية والاتفاق، وهي مباحث تنكر روحانية النفس بل بقاءها، وتخلط بين الموحدة الوجودية والوحدة العددية مما ينبنى عليه بالضرورة أن تسلك المدرسة الصوفية الأولى في زندقة الحلولية. فلو نظرنا إلى الكَرَامية الذين يقولون إن لله شأنا في خلق النفوس رأينا أن الأشعرية يأخذون عليهم إضافة الأعراض إلى الذات الأزلية، وإذا نظرنا إلى السالمية الذين يميلون إلى القول بأن النفوس المقبلة على الله تستطيع أن تتصل بالحضرة الإلهية، وجدنا أن الحنابلة يعيبون عليهم اتخاذهم من ذكر الله سبيلا إلى معرفته، ثم إننا إذا نظرنا إلى الحَلاجية رأينا أنهم يستدلون من خطاب الله في حالة الوجد ومما يعرض للعبد في هذه الحالة من تغير يحصل في أعماق نفسه، على أن الله قد جعل له من أوليائه شواهد، وهذا الرأى مردود لاستحالته ومنافاته للدين وتغليبه جسم الإنسان الفانى على الذات الإلهية، إذ ليس لذاتين أن تتحيزا مكانا بعينه في وقت واحد.
وتسربت الفلسفة اليونانية إلى العالم الإسلامي، وأخذ سلطانها يزداد باطراد منذ أيام الأدرية القرامطة القدامى والرازى الطبيب إلى عهد ابن سينا، وكان من نتيجة ذلك أن استحدثت في القرن الرابع للهجرة مصطلحات ميتافيزيقية أدق من سابقها يفهم منها أن الروح والنفوس جواهر غير مادية، وأن ثمت معاني عامة وسلسلة من العلل الثانية وغير ذلك، وأن هذه المصطلحات اختلطت بالإلهيات المنحولة لأرسطو وبمثل أفلاطون وفيوضات أفلوطين، وقد كان لهذا كله