الحسين قائلا:"ولسوف يحز سبطاك صرعى عدو زنيم، ولن يكون هذا جزاء عصيانهما أوامر ربهما، فما تعلق أوضار الإثم بواحد من أهل بيتك ياخير البرية، وإنما يفتديان المسلمين، فيتلألأ جبيناهما أبد الآبدين بنور الأبرار المصطفين فإن شئت أن يغفر الله ذنوب الآثمين، فلا تضننّ بزهرتى بستانك أن تقطفا قبل الأوان"(ص ٥ وما بعدها). ويسترسل في توضيح فكرة الاستشهاد في سبيل غفران ذنوب الآخرين حتى يجئ الختام المتوقع في المنظر الأخير الذي يجتمع فيه الآباء كافة من آدم إلى فاطمة أم الحسن حول الرأس الشريف. ويخاطب فاطمة (ص ٢١٥) بقول: "لا تثريب عليك في بكاء ولدك المقتول المضرج بدهه الزكى، فقد غاب عنك سر هذا الاستشهاد، وسنُجزى عليه يوم القيامة بمفاتيح الجنة والنار؟ " ونحن نستطيع أن نتبين تاريخ هذه الأقوال في الخلاص بالشفاعة من دعوات أولئك التوابين بزعامة سليمان بن صُرَد الذين تزودوا بالسلاح ووقفوا مستغفرين عند قبر الحسين بكربلاء لأربع سنين خلون من مقتله، وأقسموا أن يقاتلوا الأمويين أو يموتوا، ذلك أنهم رغبوا أن يكفرو عن خطيئتهم بقعودهم عن نصرته أو الموت معه. وقد قال أحدهم، وهو عبد الله ابن وال التيمى:"إن حسينًا وأباه وأخاه [أفضل أمة محمد [صلى الله عليه وسلم] وسيلة عند الله يوم القيامة"(الطبري، جـ ٢، ص ٥٤٧) وهذه الرواية عن أبي مخلف عن سلمة بن كُهيل الشيعى عن علوى هو محمد الباقر حفيد الحسين، والرأى الغالب أن سلمة بن كُهيل من الزيدية, ولذلك فهو ليس من غلاة الشيعة.
والتعزية في أكمل صورها محدثة، فقد كان هن العسير في وقت من الأوقات إقامة التعزية دون معارضة "الملّا" لما تنطوى عليه من عقيدة ساذجة وما يصاحبها من رقص ومواكب ليست من الدين في شىئ. ولم يذكر آدم أوليريوس Adam Olearius - الذي شهد عام ١٦٣٧ عدة محافل فخمة في أردبيل- شيئًا عن التعزية، ولم ير تافر نييه: J.B. Tavernier (انظر Vierzig - Jaehrige Reisebeschreibung, نورنبرغ سنة ١٦٨١, ص ١٧٨ وما بعدها)