لما تشعبت القبائل نزل بنو تغلب وغيرهم من ربيعة هضاب نجد والحجاز وتخوم تهامة واستغرقت هجرتهم إلى الجزيرة قرونا، فكانت بطيئة وعلى مراحل، ولم تنته إلا في العهد الإسلامي، إذ استقروا في المنازل التي عرفت فيما بعد بديار ربيعة. وفي مستهل القرن الخامس الميلادي نشبت حرب البسوس عندما كانت بكر وتغلب تعيشان في نجد، ذلك أن هجرتهما كانت أيام ذي نواس حوالي عام ٣٨٠ م. وثمت مواقع اشتهرت خلال هذه الحرب، وهي في أرض يحدها من الجنوب البحرين وجبال العارض، ويحدها من الشمال خط العرض الذي أنشئت عليه مدينة البصرة فيما بعد (: Zeitschrift der Deutschen Blau Morgenlaendischen Geselschaft., جـ ٢٣، سنة ١٨٦٩ م، ص ٥٧٩ وما بعدها). وكل ما نستطيع أن نقوله عن التخوم بين تغلب وبكر هو أن منازل تغلب كانت أدخل في الجزء الشمالي من هذه الأرض بالقرب من حدود الشام، وقد نقل فستنفلد (كتابه المذكور آنفا، ص ٤٣٤) عن البكرى منازل تغلب "على حدود الشام". ولم يستق هذه المنازل إلا من الشواهد الشعرية ونحن نوردهما فيما يلي: الأحْفار، الأزاغب، الموَثَّج، عالِز، عُنَازَة، كاثِرَة، عَنِيَّة والنَهيّ (النِهيّ): واشتهرت النهي هذه بأنها كانت موقعا من مواقع حرب البسوس. وقد ذهب صاحب مراصد الاطلاع (جـ ٣، ص ٢٥٥) إلى أنها بين البحرين واليمامة. وكانت تغلب في القرن التالي -أي السادس- ما تزال شاغلة جزءًا من هذه البقاع على أنها أخذت توطد أقدامها شيئًا فشيئا على المجرى الأدنى لنهر الفرات.
وكانت كَبَاث شمالي الأنبار سوق تغلب أيام الجاهلية (مراصد، جـ ٢، ص ٤٧٥). وكانت قصبة منازلهم في القرن الأول للهجرة وسط الجزيرة بين قرقيسيا وسنجار ونصيبين والموصل شمالا، وعانة وتكريت جنوبًا، وكان هذا الإقليم يقرب أن يكون شبه جزيرة، إذ تحده أنهار الخابور ودجلة والفرات. وعاشت جماعة من تغلب في مضارب