للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نفس كلام الله القديم، بل زاد بعضهم في الغلو فذهب إلى أزلية الجلدة والغلاف كما ذهب آخرون إلى أن الجسم الذي كتب به القرآن فانتظم حروفًا وكلمات هو بعينه كلام الله وصار قديما بعد أن كان حادثًا (١)؛ كما رأوا أن المعتزلة ذهبوا إلى أنه حادث مخلوق لأنهم زعموا أنه من الحروف وهذا بلاشك حادث؛ ولذلك قالوا الحادث لايقوم بذاته تعالى، وإذن فمعنى كون الله متكلمًا- وهذا مالا يسعهم إنكاره- أنه خلق الكلام في بعض الأجسام المخصوصة كاللوح المحفوظ وجبريل والنبي [- صلى الله عليه وسلم -] (٢).

هكذا رأى الأشاعرة الأمر بين الحنابلة والمعتزلة، فنظروا في حجج الفريقين، ووزنوها بميزان العقل والإنصاف، فكانت النتيجة أن وافقوا الأولى في أن القرآن قديم، ولكنه ليس كما قالوا الألفاظ والحروف التي نراها مسطورة في الصحف ونسمعها بآداننا ونتلوها بألسنتنا، إنما هو المعنى النفسى القائم بذاته تعالى. كما وافقوا الآخرين على أن النظم المؤلف من الحروف والأصوات على الترتيب المعروف حادث، لكن هذا ليس القرآن محل النزاع، إنه كما قلنا المعنى النفسى القائم بذات الله وهو قديم لاريب فيه للاتفاق على استحالة قيام الحوادث بذاته تعالى (٣) وهذا الرأى الذي حكيناه عن الأشاعرة نجده في كتب التوحيد بأيدينا وتدرس بالأزهر، كما نجده للأشعرى نفسه في كتابه الإبانة وكتابه مقالات الإسلاميين (٤)، وللغزالى في كتابه الاقتصاد (٥).

بقى -بعد هذه المسألة وتلك- مسألة رؤية الله، وهل هي جائزة أو ممتنعة، وإذا كانت جائزة فكيف، أما الحنابلة المشبهة فيجيزونها في الدنيا، جريًا وراء الظاهر من الآيات والأحاديث كما ذكره جمال الدين بن الجوزي في كتابه دفع شبهة التشبيه (٦) وأجازوها في جهة ومكان (٧)، بينما أحالها المعتزلة لما تستلزمه في رأيهم من جهة يكون فيها المرئى في مقابلة الرائى، كما تقدم


(١) المقاصد جـ ٢، ص ٧٤، والمواقف، الطبعة السابقة ص ٢٩٣
(٢) المقاصد جـ ٢، ص ٧٤ والمواقف ص ٢٩٣ - ٢٩٤.
(٣) نفسه ص والمقاصد ص ٧٤ وما بعدها.
(٤) ص ٢٩٢.
(٥) ص ٥٣ وما بعدها.
(٦) ص ٢٩ وما بعدها.
(٧) المقاصد جـ ٢ ص ٨٢.