حكومته قد فروا من العاصمة إلى الرملة القريبة من الإسكندرية في حين ارتد عرابى- الذي جهر بعصيان ولى الأمر- إلى كفر الدوار على مسيرة أميال من الثغر. وكانت تلدُ الفترة هي أحرج الأوقات في عهد توفيق باشا؛ ذلك أنه كان بين أمرين: إما أن ينحاز إلى الوطنيين، وإما أن يقبل التدخل الأجنبي. وفي الوقت نفسه فكر السلطان في عزله وإقامة عمه عبد الحليم مكانه، وأراد السلطان كذلك أن ينفذ جيشًا إلى مصر فمنعه من ذلك اتجاه الدول الأوربية. وقد قضى على الثورة الوطنية آخر الأمر بتدخل إنكلترة (وقعة التل الكبير في الثالث عشر من سبتمبر عام ١٨٨٢) وأدى ذلك إلى احتلال البلاد احتلالا عسكريا وعاد توفيق باشا إلى القاهرة بعد هذه الواقعة، ولم يكن أمامه في تلكُ الظروف إلا أن يخضع لرغبات الدولة المحتلة إذا أراد الاحتفاظ بعرشه. والحق إن حكومة الخديو- التي رأسها للمرة الثانية شريف باشا منذ شهر أغسطس عام ١٨٨٢ - كما نت وقتذاك بالغة الضعف؛ وانحصرت جميع التدابير بعد الاحتلال الإنكليزى لمصر في شئون الإدارة وصدرت الموافقة على لائحة ٧ مايو عام ١٨٨٣ والتنظيم الدولى للإدارة المالية عام ١٨٨٤. وتعاون الخديو في الأعوام العصيبة التي تلت ذلك تعاونًا وثيقًا مع المقيم البريطانى الملقب بالقنصل العام، وهو الذي عرف فيما بعد باللورد كرومر. ومن أشأم وقائع ذلك العهد ثورة المهدي التي نشبت في السودان وجلاء مصر عن هذه الولاية- ولم يكن الخديو توفيق يرغب فيه- بعد أن ذهبت الجهود في إلحاق الهزيمة بالمهدى أدراج الرياح (سقوط الخرطوم في يناير عام ١٨٨٥ م) ولم تزدهر البلاد بعض الشيء إلا حوالي عام ١٨٩٠. وتوفى توفيق باشا بعد ذلك فجاءة في قصره بحلوان في السابع من يناير عام ١٨٩٢, فخلفه ابنه الأكبر عباس حلمى.
ولم يكن توفيق باشا قوى الشخصية بحيث يستطيع مواجهة الأحداث السياسية الجسام، ولعل أهم سبب أفقده السيطرة على هذه الأحداث شيئًا فشيئا ضعفه ورجال حكومته