قد نبه شأنه حوالي عام ١٦٠ هـ (٧٧٦ م). ويقول صاحب الفهرست وحاجى خليفة إنه كانت له صلة بالبرامكة. والواقع أننا لا نعرف من حياته شيئًا. وتذهب أوثق الروايات إلى أنه قضى معظمها في الكوفة. وفي الفهرست (ص ٣٥٤ وما بعدها) رأى يقول إنه لم يوجد قط وإنما كان شخصًا من نسج الأساطير وهو رأى ننكره من فورنا.
ونسبت لجابر طائفة من التواليف. وإذا أخذنا بكتاب السبعين لإيو Io (يوحنا) فإن ما وجد منها باللاتينية لا يتفق مع تواليفه العربية، وهو ينبئ عن حلة في علم الكيمياء أرقى مما نلمسه في العربية. وفي مكتباتنا اثنان وعشرون مؤلفا له بالعربية، خمسة منها طبعت وهي كتاب الملك، وكتاب الموازين الصغير، وكتاب الرحمة، وكتاب التجميع وكتاب الزيبق الشرقي.
والمذهب المنبث في هذه التواليف -وبخاصة في كتاب الرحمة، الذي لا يشك قط في نسبته إليه- تشبيهى مسرف، أو إن شئت روحانى متطرف، فهو يعد المعدن كائنًا حيًّا، ينمو في بطن الأرض أمدًا طويلا، آلاف السنين، وينقلب من معدن خسيس كالرصاص إلى معدن نفيس كالذهب. وغاية علم الكيمياء الإسراع بهدا الإقلاب. وهو يطبق مذاهب التناسل والزواج والحمل والتعليم على المعدن. وكذلك مذاهب الحياة والموت، ويقول للمواد الغليظة الأرضية "ميتة" أما المواد المنيرة اللطيفة فيشميها حية. ولكل جسم كيميائى نفس وجسم، جزء روحى وجزء مادى، وعمل صاحب الكيمياء أن يفصل هذا من ذاك ويلطفه ثم يعطى لكل جسم الطبع الذي يناسبه.
وقد نسبت روايات الفرس لجابر مستكشفات هامة في الكيمياء، مثل ماء الذهب وحامض الكبريت وحامض الأزوتيك ونترات الفضة، ولكن واحدًا منها لم يذكر في الكتب العربية التي تحمل اسمه. وظل هذا شأنها إلى أن ظهرت في المؤلفات اللاتينية التي ترجع إلى أواخر القرن الثالث عشر. وعلى ذلك فإن تقدير نصارى القرون الوسطى لكيمياء المشرق لايستند إلى وقائع مقررة يمكن تمحيصها.