به يعلم العالم وحقيقة القدرة ما به يقدر القادر، وما دام الجبائى قد جعل الله عالما لنفسه أو لذاته -وقادرًا كذلك- يكون نفس الله علما وقدرة! لهذا ذهب أبو هاشم مذهبا آخر، وحاول به أن يكون وسطا بين مثبتى الصفات وبين منكريها، فقال إن الله عالم أي ذو حال- وراء كونه ذاتًا - به يعلم، وهو قادر لكونه على حال به يكون قادرًا. وهذه الأحوال صفات لا يقول عنها إنها معلومة أو مجهولة ولا موجودة أو معدومة ولا قديمة أو حادثة، وتتعدد بتعدد المعلومات والمقدورات والمسموعات والمبصرات ونحوها. أي أن الله يعلم هذا المعلوم بحال غير الذي يعلم به المعلوم الآخر، فتكون أحواله لا نهاية لها إذ لا نهاية لمعلوماته ومقدوراته ونحوها. وهذا المذهب يرى فيه البغدادي في كتابه "أصول الدين" أنه مذهب لا يعقله صاحبه عن نفسه، فكيف يناظر في تصحيحه.
واختلفا أيضًا في معنى كون الله سمعيا بصيرًا فقال الجبائى الأب إن معنى هذا أن الله حي لا افة به، وذهب الابن -زيادة على هذا- إلى رأيه في الأحوال كما عرفنا. ورأى الأب أن يقال لم يزل الله سمعيًا بصيرًا، ولا يقال لم يزل سامعا مبصرًا، إذ زعم التفرقة بين سامع وسميع ومبصر وبصير، هذه التفرقة هي أن الوصف بسامع ونحوه يقتضي وجود مسموع ولا كذلك سميع، ولما لم تكن المسموعات موجودة أزلًا كان الله - تعالى عما يقولون- في الأزل سميعا لا سامعًا وبصيرًا لا مبصرًا (١). وفي هذه التفرقة التي لا أساس لها يقول البغدادي في كتابه "أصول الدين": "ولا يُدرى من أين أخذ فرقه بين السامع والسميع! وهل أخذه من لغة العرب أو العجم، أو من لغة شيطانه الذي أغواه".
بقى أن نشير إلى ما ذهب إليه أبو هاشم من الشدة في الوعيد. لقد رأى أن المرء يستحق الذم والعقاب على