الدعوة الدينية وتوسلا بذلك إلى استفتاء الإخوان الرحمانية، وعمت الثورة أرض القبائل الكبرى والصغرى، وانتشرت كذلك في جنوبي إقليم قسنطينة وبعض مناطق من إقليم مدينة الجزائر، أما الغرب فقد ظل على ولائه، وأحدثت الثورة قلقًا عظيمًا أول الأمر، فقد حوصرت المدن والحصون في أرض القبائل، ودمرت قرية بالسترو Palestro. وهدد الثائرون متيجة. بيد أن فرنسا استطاعت التغلب على الموقف بعد أن عينت حاكمًا عامًا للولاية، رجلًا قديرًا هو أمير البحر ده كيدون de Gueydon. وأنفذت إلى البلاد نجدات فرنسية. ونظم فيها جيش عقد لواؤه للقواد سوسييه Soussier ولالمان - Lalle mand وسيريز Cerez. ففك الحصار عن المدن وقتل المقرانى في إحدى المعارك عند وادي سَفلت بالقرب من أو مال (صور الغزلان) ثم خلفه على رأس الفتنة أخوه أبو مزراق، ولكنه طورد من أرض القبائل الصغرى ورُدَّ إلى الجنوب حيث أسر آخر الأمر عند الرُوَيسات في العشرين من شهر يناير عام ١٨٧٢ م. وزاد عدد الثائرين حتَّى بلغ مائتى ألف رجل، وبلغ عدد المعارك التي خاضوا غمارها ٣٤٠ معركة، وعوقبت القبائل على ثورتها بحرمانها استقلالها الذاتى، وفرض غرامة حربية عليها. واستقطاع ١.١٢٠.٠٠٠ فدان من أراضيها، خصصت للمستعمرين. أما الفتنتان اللتان نشبتا بعدئذ في العَمْرى عام ١٨٧٦ م، وفي أوراس عام ١٨٧٩ م، فلم يكن لهما شأن يذكر، وكان أخطر منهما الثورة التي أثارها المرابطى أبو عَمَامة في الجنوب من وهران (سنة ١٨٨١)، وأدى هذا كله إلى إنشاء حصون دائمة على التخوم الجنوبية من الهضبة، واستخدمت فيما بعد قواعد للأعمال الحربية في منطقة الصحراء.
وكانت الأعمال الحربية إبان هذا العهد (١٨٥٩ - ١٩٠٨) المحل الثَّاني من اهتمام فرنسا، ذلك أن المشاكل الإدارية والاقتصادية كانت تتطلب منها عناية خاصة. ولقد تبدلت إدارة الجزائر العليا عدة مرات ووصل الأمر إلى إنشاء إدارة خاصة بهذه البلاد مركزها في باريس، ودامت من عام ١٨٥٨ إلى عام ١٨٦٠. ثم نشب خلاف شديد بين أنصار سيادة السلطة