الأرض، فأصبحت المدينة بذلك أمنع من عقاب الجو، وقد بدأ خير الدين هذه التحصينات جميعًا وأتمها خلفاؤه البكلربكية فيما بعد، وكان رسوخ أقدام الترك في مدينة الجزائر تهديدًا دائما للدول المسيحية. ولذلك أخذ شارل الخامس على نفسه أن يقوض سلطانهم. وكان قبل ذلك قد استولى على تونس ١٥٣٥ ونصب عليها أميرًا يدين بالطاعة لأسبانيا. ثم أخذ يفكر في تحقيق رغبته باحتلال مدينة الجزائر، وبعد مفاوضات طويلة مع بعض أمراء البلاد- ومع خير الدين نفسه- عبر شارل الخامس إلى إفريقية في سبتمبر سنة ١٥٤١، وكانت الحملة التي قادها الإمبراطور بنفسه، تتألف من عمارة بحرية تحمل ١٢.٠٠ بحّار تحت إمرة أندريا دوريا Andria Doria وجيشًا بريا عدته ٢٤.٠٠٠ جندى. ولم يكن شارل الخامس أسعد حظا من سلفيه فيرا ومونكاده، فقد نزل إلى البر في الثالث والعشرين من أكتوبر عند مصب نهر الحَرّاش، ونجح أول الأمر في توطيد قدميه على أكمة كدية الصابون التي تشرف على المدينة، ولكن القوات المحصورة كرت على جنوده أثناء عاصفة هوجاء هبت على مراكزهم ليلا في الرابع والعشرين من أغسطس، فاضطرب الأمر بينهم، وكادت الضربة تكون القاضية لولا شجاعة فرسان مالطة، الذين ردوا المهاجمين إلى المدينة، فأسرع حسن أغا إلى إقفال أبوابها. وقد استطاع احد الفرسان المالطيين، واسمه سافنياك - Sa vignac أن يغمد خنجره في بابا عزون، وثارت في الليلة نفسها عاصفة دمرت مائة وأربعين من سفن الأسيان وأفقدت الجيش جميع مؤنه، وأصبح الانسحاب أمرًا محتومًا، واستعاد الامبراطور رأس ماتيفو Cape Matifou بعد أن لقى من الصعاب مالم يسمع بمثله من قبل، ومن هناك أبحرت فلول جنده، وعادت هذه الحملة التي أريد بها تدمير مدينة الجزائر بالفائدة على قرصان البربر، فقد غنموا منها مغانم كثيرة جدًّا، وظنوا من ذلد الحين أنهم لا يغلبون، وأخذ الجزائريون بعدئذ يمعنون في أعمال القرصنة كما يشتهون، وظلوا كذلك حتى عام ١٨٣٠، ولكن أعمال السلب والنهب القديمة تغيرت طبيعتها الأولى،