فى دمشق (ابن عساكر، جـ ٤، ص ١٩)، ثم شخص الى مصر وأخذ يقتات من سقى الناس بالمسجد الجامع، على أنه آنس أيضا فرصة لدراسة الشعر العربى وقواعده. ومن العسير أن نستعيد بدقة التواريخ التى مرت بها مراحل حياته، وهذا يصدق على كل حال حتى تثبت الوقائع التى ذكرت فى شعره وسير الرجال الذين مدحهم ثباتا لا بلبلة فيه، وقد جاء فى رواية أنه نظم مدائحه الأولى بدمشق فى محمد بن الجهم أخى الشاعر على بن الجهم (الموشح ص ٣٢٤). على أن هذه الرواية يتعذر الأخذ بصحتها، لأن محمدا هذا لم يقمه المعتصم واليا على دمشق الا سنة ٢٢٥ هـ فحسب (خليل مردم بك فى مقدمته لديوان على بن الجهم، ص ٤) ويقول الشاعر نفسه (كتاب أخبار أبى تمام، ص ١٢١) إن أول شعر قاله كان بمصر فى مدح صاحب الخراج عياش بن لهيعة (البديعى، ص ١٨١). ولكن عياشا خيب ظنه فرد له الصاع، كما جرت الحال فى كثير من الأحوال، بقصائد فى هجائه (البديعى، ص ١٧٤ وما بعدها).
ويروى الكندى فى كتابه عن ولاة مصر وقضائها (Governors and Judges of Egypt, طبعة غست Guest، ص ١٨١، ١٨٣, ١٨٦, ١٨٧) بعض أبيات لأبى تمام تشير الى حوادث وقعت فى مصر بين سنتى ٢١١ - ٢١٤ هـ.
وعاد أبو تمام من مصر إلى الشام، وإلى هذا الوقت ترجع فيما يظهر قصائد المدح والهجاء التى قالها فى أبى المغيث موسى بن إبراهيم الرافقى. ولما عاد المأمون من حملته على الروم (٢١٥ - ٢١٨ هـ) سعى إليه أبو تمام مرتديا زى البدو الذى كان يؤثره طوال حياته، وقدم إليه قصيدة، إلا أنها لم ترق للخليفة لأنه وجد أنه مما يخالف طبيعة الأشياء أن يقول بدوى شعرا فى حياة الحضر (أبو هلال العسكرى، ديوان المعانى، جـ ٢، ص ١٢٠). وربما كان هذا الوقت هو الذى اتصل فيه البحترى الشاب بشاعرنا فى حمص (أخبار أيى تمام. ص ٦٦، وانظر ص ١٠٥).
"وبلغ أبو تمام مرتبة الشهرة أول ما بلغ وأصبح معروفا بين الناس فى