أصلها من الجنوب، على حين يتحدث جميل عن أمجاد أجداده فيقول إنهم من مَعَد). على أن الشخصية التاريخية البارزة لجميل هي شخصية شاعر الحب. فقد اشتعل قلبه من باكورة شبابه بحب بنت قبيلته "بَثْنَة"، أو "بثينة" وهذه القبيلة هي بنو الأحب العذرية، وقد خلد ذكر القصة بحبه العميق البائس في أشعاره هو وفي قصص رجال الأدب من أعيان القرن الثاني الهجرى الموافق الثامن الميلادي (يعتمد بعض هذه القصص في كثير من الأحيان على أشعار جميل). ورفض والدا بثينة أن يزوجوها له، وتزوجت رجلا آخر يدعى نبيه بن الأسود. ومضت أوقات من التصالح اعقبتها أوقات من اللوم والتأنيب، وانتهى به الأمر إلى ترك وادي القرى الذي شهد أول نار يتأجج بها حبه وله يعد إليه أبدا، وقد ذكره في أبيات مؤثره وهو على فراش الموت.
وذاع ديوان جميل ذيوعًا واسعًا في القرن الثالث الهجرى الموافق التاسع الميلادي (كان راوى جميل في حياته هو كثير عزة)، وقد درسه وأذاع صيته علماء اللغة مثل ابن الأنبارى ودريد. ولكن هذا الديوان لم يحفعل للأجيال اللاحقة، وليس في متناولنا منه إلا ما لا يزيد عن قطع ومختارات قليلة من شعر جميل التقطت من الدواوين ومن المصادر الأدبية الأخرى (ومصدرنا الأول في ذلك هو الأغانى). وتبلغ هذه القطع والمختارات نحو، من ٨٠٠ بيت، وهي تحمل طابع شخصية متفردة لا تخطئها العين ولو أن أصالته قد غشاها إلى حد ما حشد من المقلدين والتقاليد الأدبية التي سادت عصره، ولم يستطع هو أن يتجاهلها. وقصة حبه الواله كما تنبثق من شعره أقوى من المجرى المألوف لمثل هذه القصص. فقد كان أول من تحدث عن الحب من حيث هو قوة كونية لا تغيب أبدا، تجتذب المرء من أولى لحظات ولادته وتعيش بعد وفاته. وكان جميل أمينًا على سنة بنى عذرة يؤكد على نقاء الحب ونبله، وفضيلة إنكار الذات، وأن يتحمل عذاب الحب وحده، ولا نجد عنده أثرًا للحب الشهوانى والعابث الذي