للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القرنين الحادي عشر والثاني عشر. وتذهب التفاسير الدينية السابقة على هذا في الزمن إلى أن الجبل المعروف الآن بجبل الجودى، أو جبال جورديين Gordyene (بالسريانية قردو وبالأرمنية كُرْدُخ) كما تقول المصادر النصرانية، هو المكان الذي استقر عليه فلك نوح، والمحقق أن هذا التحديد للمكان الذي استقر عليه فلك نوح, وهو التحديد الذي ذكر حتى في الترغوم (١) يستند إلى الرواية البابلية، وقد نشأ من الاسم البابلى بروسس " Berossus" زد على ذلك أن جبل نصر الذي ذكر في قصة الطوفان في الكتابات المسمارية يصح أيضًا أن يحدد مكانه في جبال جورديين بالمدلول الواسع لهذا الاسم. ولقد أخذ النصارى بالرواية البابلية اليهودية القديمة، وعرفها العرب منهم عندما وصلوا بفتوحاتهم إلى إقليم بهتان. وأطلق العرب اسم الجودى، وهو الاسم الذي ورد في القرآن على أنه الموضع الذي استقر عليه "فلك نوح" في غير تثبت على جبل قردو (سورة هود، الآية ٤٤) وهو الجبل الذي كان يعد منذ أقدم الأزمنة المكان الذي استقر عليه نوح. ولكن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] قصد في الواقع الجبل المعروف باسم الجودى في بلاد العرب (انظر ديوان الحماسة، ص ٥٦٤، معجم البلدان، ج ٢، ص ٢٧٠، س ١١، المشترك ص ١١١) ولعله ظن أن هذا الجبل هو أعلى الجبال طرًا. وهذا هو قول نولدكه في Festscir Juer Kieper (سنة ١٨٩٨، ص ٧٧) ومن الواضح أنه أصاب في ذلك. ومن الممكن أيضًا أن يكون محمد [صلى الله عليه وسلم] قد تأثر في تعيينه لموضع الجبل الذي رسا عليه فلك نوح ببعض روايات أقدم من هذه كانت شائعة في بلاد العرب، ونذكر تدعيما لهذا الرأى ملاحظة لثيوفيلوس المنافح (ad Autolycum, الكتاب الثالث، الفصل ١٩) فهو يقول إن بقايا الفلك كانت تشاهد حتى في عهده على جبال بلاد العرب. ولابد أن يكون نقل العرب لاسم الجودى من بلاد العرب إلى أرض الجزيرة قد تم في عهد متقدم بعض الشيء، كما سبق أن ذكرنا، ولعل ذلك كان عند الفتح العربي. بل إن جبل الجودى في شعر


(١) الترغوم: هو الترجمة الكلدانية للعهد القديم.