الحادث في الحالين هو أن المبادئ المقررة التى اتخذت لا تؤدي إلى الصحة المطلقة، واكتشفت عدة أخطاء في الصحاح ولو أن هذا المعجم في جملته قد عده الناس مصدرًا يعول عليه أعظم التعويل.
ويقول الجوهري في مقدمته القصيرة للمعجم أنه رتب مادته وفقًا لخطة جديدة كل الجدة. على أن ابتكاراته في جوهرها عبارة عن مجموعة من المبادئ المختلفة اتبعها أسلافه. وترتيب أصول الكلمات حسب الحرف الأخير منها، وهي الطريقة التي اتبعها - أسوة بالصحاح - خيرة من نعرف من فقهاء اللغة المتأخرين قد استحدثها شيخ الجوهري وخاله الفارابي في كتابه "ديوان الأدب". واستعمال الترتيب الشائع في الأبجد العربى تمييزًا له من الترتيب الصوتي الذى اتبعه الخليل، وهو ما اتبعه عدد من أسلاف الجوهري ومن جاءوا بعده، كان شائعًا قبل الصحاح. أما مبدأ الوثاقة كما يفهمه فقهاء اللغة العربية، فإن معاصر الجوهري الأسن منه وهو ابن فارس كان قد وضع المثال له في كتابه "المجمل".
وقد فسر استعمال الجوهري للحرف الأخير أساسًا أول لترتيب صحيحه بأن غرض الجوهري منه كان مساعدة الشعراء على التماس الكلمات التى يستعملونها في قافية شعرهم. على أن فقه اللغة السنسكريتية الذى أثر فيما يظهر على فقه اللغة العربية من بعض الوجوه، قد استعمل في الحين بعد الحين هذا المبدأ، ولو أن الشعر السنسكريتي ليس له قافية.
وبحلول زمن الجوهري كان البحث اللغوي المستقل قد انتهى، ومن ثم فإن الصحاح يضم في جوهره خلاصة استقاها من كتب فقه اللغة الأولى ويأتي في المقام الأول منها "ديوان الأدب" (انظر KrenKow)، على حين أن الجديد الذى أتى به الجوهري طفيف، وقد امتلأ الصحاح بالمناقشات النحوية، ولذلك فإنه أكسب صاحبه شهرة هي أنه الخبير البارز في النحو بين فقهاء اللغة، ويروى أن الجوهري صنف معجمه للأستاذ أبي منصور عبد الرحيم