من ثم على تحريكهم بدقة أكبر وفقًا للخطة الموضوعة [على حين أن وحدات الجيوش القديمة لم تكن موحدة الحجم حتى ولو على وجه التقريب]. وكان الجيش، وهو يخوض المعركة في النظام الجديد، مرتبا صفين أو ثلاثة صفوف متعاقبة، وكان الصف الخلفى يعمل لتعزيز الأمامى ويكون احتياطيًا له، كما كانت كل وحدة ذات عمق موحد. واستبدل بالحركة الهلالية القديمة للصف الأول حركة الخطوط المستقيمة (Naval Intelligence Division, A Handbook of: Naval Staff. Admiralty syria سنة ١٩٢٠، ص ١٦٣). ويمكن أن نخلص من كل هذا إلى أن أغراض الإصلاحات العسكرية كانت ثلاثة: الحصول على الأسلحة الحديثة وصنعها، إدخال المعرفة الفنية في الأقسام، وإقامة كيان منظم من الجنود يمكن أن يستخدمهم القواد في المناورة بسهولة، وكان الغرض الثاني دائمًا في العصر الحديث أعسر إدراكًا من الغرض الأول، كما كان الغرض الثالث أعسر بإطلاق من الثاني.
وقد تبنى سليم الثالث المحاولات الأولى لصبغ الجيش بالصبغة الحديثة وعزز هذه المحاولات، فأدخل إصلاحات في المدفعية، واشتد في فرض النظام، وزاد في رواتب الأنفار من ٢٠ إلى ٤٠ أسير في اليوم. ووضع الجيش تحت قيادة "طوبجى باشى" ورقى هذا الطوبجى إلى رتبة الباشوية ذات الذيلين، وقد فصل بين إدارة الجيش والتموين والشئون المالية وبين قيادة العمليات وعهد بالمهمة الأولى إلى "ناظر" وفى سنة ١٧٩٦ نفذ سفير الجمهورية الفرنسية أوبيرت دوباييه Aubert - Dubayet ما اتفق عليه في مفاوضات سابقة فأحضر معه إلى استانبول عددًا من الضباط كلفوا بتدريب جيش "نظام جديد" وكان الجيش الجديد من المجندين المتطوعين يتألف من طوبجية وسباهية ومشاة. ودرب المجندون على النمط الأوربى وعلموا كيف يقومون بالمناورة في جماعة بميدان المعركة. وأراد السلطان أن يتحاشى حدوث احتكاك لا داعى له مع الإنكشارية - الذين كانوا ينظرون شزرًا إلى هذه البدع - فأسكن الجيش