وفى يوم كُلاب الثانى فى الدهناء حاربت بلحارث يقودها نعمان بن جساس القبيلتين التميميتين رباب وسعد بن زيد مناة يقودهما قيس بن عاصم. وانحازت همدان وكندة وقضاعة وغيرها من القبائل إلى بلحارث فبلغ عددهم ثمانمائة مقاتل شديدى البأس انقسموا أربع فرق على رأس كل فرقة قائد يحمل اسم يزيد، وتأمّر على هؤلاء القواد جميعًا عبد يغوث بن صلاة. ودارت الدائرة على بلحارث وسقط قواد هذه الفرق المتحالفة فى القتال، وجرح عبد يغوث. ومن أيام بلحارث أيضًا يوم حِدْرَه فى تهامة، وكان بينها وبين أوس، وكان النضر فيه حليف هؤلاء، ويوم بطن الذهاب.
ثم إننا نجد بلحارث وقد تملكت نجران بعد إذ نزحت أزد، وكان بينها وبينهم عدة حروب - عن اليمن يقودها عمرو بن عامر مزيقياغ عقب تصدع سد مأرب. فلما سرت دعوة محمد [- صلى الله عليه وسلم -] فى جميع أنحاء الجزيرة العربية سنة ٨ هـ (٦٣٠ م) وفد إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] فى المدينة جلة من رجال الدين ومن بينهم الأسقف أبو الحارثة، واتفقوا مع النبى [- صلى الله عليه وسلم -] على أن يلقوه فى مكان بالقرب من المدينة، وهناك دعوا إلى المباهلة أو اللعان، ولكنهم لما عرفوا نبوته خشوا ما ينزل بهم فسألوا النبى [- صلى الله عليه وسلم -] أن يعفيهم منها على أن يؤدوا جزية أكبر. وفى ربيع الأول من سنة عشرة للهجرة (٦٣٠ م) أنفذ محمدٌ [- صلى الله عليه وسلم -] خالدَ بن الوليد فى ٤٠ رجلا إلى بلحارث يدعوهم إلى الإسلام؛ فأسلم الوثنيون منهم وبعض النصارى وظل خالد مقيما بينهم يعلمهم القرآن ومعالم الإسلام؛ وعاد خالد إلى النبى [- صلى الله عليه وسلم -] بعد فترة من الزمن فى وفد من بلحارث (بينهم اثنان من أسرة عبد المدان النصرانية) فوهب محمد [- صلى الله عليه وسلم -] كل رجل من رجال الوفد ١٠ أوقيات (٤٠٠ درهم) وأقام أحدهم وهو قيس بن الحسين أميرًا على بلحارث. وفى سنة ١١ هـ (٦٣٣ م) ظهر المتنبئ أيهب بن كعب ويعرف عادة بالأسود العنسى، فتبعته بلحارث متأثرة بدعاته. وطردوا والى نجران (عمرو بن حزم)، وظل المسلمون مستمسكين بإسلامهم فى خلافة أبى بكر وجدد النصارى ما عاهدوا النبى [- صلى الله عليه وسلم -] عليه.