١٩٠٦ وأتيحت له فرصة وصل نفسه بمحمد عبده وأصبح تلميذه، وانصرف أكثر وأكثر فى حرية إلى الشعر. وكان حافظ فى هذه الفترة أيضا متصلا بالزعماء السياسيين أمثال سعد زغلول ومصطفى كامل وقاسم أمين كما كان متصلا بأهل الفكر الذين التفوا حول خليل مطران وغيره. وإنما حدث سنة ١٩١١ أن نجح فى أن يلتحق بالخدمة المدنية ورئيسًا للقسم الأدبى بالكتبخانة الخديوية (دار الكتب المصرية) فى القاهرة، وقد ظل شاغلا هذا المنصب حتى وفاته تقريبا فى ٢١ يولية سنة ١٩٣٢.
ويجب أن نعدّ حافظا من بين ممثلى مدرسة الشعر المصرى التجديدى التى كان زعيمها سامى البارودى والتى سار أعضاؤها على مقتضى نزعاتهم وطبائعهم هادفين إلى تخليص أنفسهم من إسار التقاليد. ولكنه اعتزل المتحدثين الآخرين عن الجيل الجديد باستمساكه الذى جاء عفو الخاطر بقضية الشعب وقضية الجماعة الإسلامية بصفة عامة، وقد نجح فى التعبير عن عواطفهما وأطماعهما المشروعة. والحق إن المقطوعات الواردة فى ديوانه (القاهرة سنة ١٩٣٧ فى مجلدين) تكشف عن حشد من التفصيلات والملاحظات المباشرة التى تلقى ضوءًا على عدة نواح من الحياة السياسية والاجتماعية المصرية فى العقود الأولى من هذا القرن، كما تتيح لنا أن نلحظ النظرة الممعنة فى الجدل للشاعر. ونجد بخاصة فى تلك الأبيات التى نتبين لأول وهلة أنها سياسية، أنه يكشف عن امتلاكه الكامل لناصية الموقف فى حقيقته، وهو أن السلطات الثلاث التى كانت تتنازع لكسب الرأى العام (البريطانيون والسلطان والخديوى) يجب أن تُتَملَّق وأنه يجب عليه أولا وقبل كل شئ أن يخمد نار غضبه ويأسه ويخفى أفكاره. ومن ثم نجد أن أشعاره العارضة التى اضطر فيها الشاعر إلى أن يكيف نفسه على مقتضى أسلوب المدائح والمراثى تفتقر إلى الأصالة والخيال. والشقاء والشكوى والقلق والاكتئاب هى أساس خير ما أبدع حافظ من شعر، وهو قد أدخر لها ألطف مختاراته من الصور