٢ - والحجاب يدل أيضًا على الستار الذى كان يحتجب وراءه الخلفاء والحكام عن أعين أهل بيتهم. وهذه السنة التى كانت فيما يظهر مجهولة عند السكان الأولين للحجاز، قد استنها فى الإِسلام الأمويون، ولعلهم فعلوا ذلك بتأثير الحضارة الفارسية. وهذا الحجاب يعرف أيضًا بالستارة والستر، ولكن السُنة هى هى، وقد تطورت آخر الأمر إلى نظام (يجب التمييز بينها وبين الحجابة التى تسمى فى بعض الأحيان أيضًا "حجاب" وهى تدل على منصب الحاجب).
وفى رواية الكتاب المنحول للجاحظ أن معاوية ومعظم خلفائه كان يحجبهم عن آل بيتهم "ستارة" حتى لا يستطيع أحد من آل هذا البيت أن يرى أفعال الخليفة وهو تحت تأثير الخمر عاجزا عن أن يسيطر على نفسه (كتاب التاج = livre de la couronne Le، ترجمة Pellat، ص ٥٩). وكان سلوك الخلفاء العباسيين فى بعض الأحيان أقل من ذلك رصانة: فالأمين بخاصة كان يؤثر صحبة حاشيته وخاصته على الاعتكاف وراء حجاب (الكتاب نفسه: ص ٧٠).
وقد أدخل هذا النظام فى بلاد الأندلس وشمالى إفريقية ومصر وأصبح هناك أكثر تعقيدًا إذ تطورت حياة البلاط، وخاصة عند الفاطميين. ويجب أن نذكر أنَّه بالرغم من أن هذا النظام كان هو هو عند الفاطميين الذين تأثروا كشأنهم بالآراء الشيعية فى طبيعة الإمام (انظر المقريزى: الخطط، جـ ١، ص ٤٥٦) فإنَّه يظهر أن النظام قد عززته اعتبارات أخرى وأنه قد استجاب لحاجات مختلفة. فالخليفة الذى يعد جوهر العقل الفعّال للعالم أصبح يكاد يكون المقصود بالعبادة. ومن أجل هذا كان من المنتظر منه أن يستتر بقدر الاستطاعة عن عيون أتباعه المخلصين الذين يحرمون لذلك من نور وجهه.
وكان العامل المسئول فى القاهرة عن الستر يدعى "صاحب المجلس"(القلقشندى: صبح الأعشى، جـ ٣، ص ٤٨٥؛ المقريزى: الخطط جـ ١، ص ٣٨٦). وهذه الوظيفة وظيفة مختلفة