العشيرة، دون أن تكون الحلقات فى هذه السلسلة بالضرورة من الشخصيات الذائعة الصيت. وكان النسب الذى يفخر به الإنسان هو ذلك النسب العريق الذى لم يشبه ما يشين، على أن أقل شائبة تشوب نسب الشخص كان خصومه لا يتورعون فى هجائهم عن التعريض بأسلافه أو عشيرته. وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يستهدف تأكيد المساواة بين المؤمنين وتحقيق وحدة الجماعة، إذ نهى عن الطعن فى الأنساب، أى الطعن الذى يندد بعيوب صحيحة أو مختلقة، تشين الجد عامة، والجد الأعلى الذى تنتسب إليه القبيلة أو العشيرة خاصة.
وعلى حين كان الناس المحرومون من النسب هم دون سواهم المنعزلون والمنبوذون والعبيد بطبيعة الحال، فإن صاحب الحسب فى مفهوم الجاهلية كان لا يقتضى وجود أسلاف له فحسب، بل إسباغ التشريف عليهم باسناد أعمال جليلة إليهم تدل على الشجاعة أو إظهار فضائل بارزة يتصفون بها والافتخار خاصة بكرمهم كرمًا يضرب به المثل. وكانت ذكرى الأعمال الجليلة التى قام بها فيما مضى أفراد القبيلة تنتقل من الأب للابن، فتجعل من ذلك حسبًا جامعًا يستطيعون جميعًا أن يفاخروا به، وكانت شجاعة الجماعة تقاس كما يقال بمجموع هذه الأعمال والفضائل الفريدة، التى تقدم للجميع نموذجًا يحتذى، ومعيارًا خلقيًا مثاليًا يتمنون بلوغه، وكان هذا فى الحقيقة ضربًا من السنة القبلية.
وفى مقابل النسب، كان فى وسع الشخص أن يكتسب الحسب بأداء أعمال فاضلة أو الإتيان بضرب من الشجاعة فوق المألوف وعلى هذا كان الحسيب شخصًا ينحدر من صلب أسلاف لهم نسب عريق أو شخصًا اكتسب بشخصه الشرف دون أن يتطلب ذلك بالضرورة نسبًا بارزًا، فى حين يجب أن يتسلح النسيب بالحسب والنسب جميعًا.
ولم يقض ظهور الإسلام تمامًا على هذه الأفكار التى ظلت حية مؤثرة بين القبائل العربية (بل بين الفقهاء الذين