الشيعة وأظهروا إنكارهم لموقف الحسن لأنه لم يطلب ضمانات كافية من معاوية، ذلك أنه لم يسأله عهدًا مكتوبًا باستخلاف الحسن بعد وفاته. وقد اتخذ معاوية تدابير مختلفة لمنع وقوع انتقاضات عليه فى المستقبل، فنقل من الكوفة القبائل المخلصة لعلى وأحل محلها قبائل من الشام والبصرة والجزيرة (الطبرى، جـ ١، ص ١٩٢).
ولكن ما هى الدوافع التى حملت الحسن على النزول عن الخلافة؟ إنا لنقبل ما ذكرته المصادر فى هذا الصدد: حب السلام، وكراهية السياسة وخلافاتها، والرغبة فى عدم إراقة الدماء. ولكن من المرجح أنه كان مدركًا بأن قضيته خاسرة. فإذا كان صحيحًا أن عليًا جرى على إنفاق ما فى خزينة الدولة (كل أسبوع فيما قيل) يوزعه على المستحقين فلا يبق منه شيئًا، فإن ذلك يجعل الحسن محتاجًا إلى المال.
زد على ذلك أن كثيرًا من الخلل قد شاب الأيام الأخيرة من خلافة أبيه بل زاد ذلك فى خلافته هو. ومن ثم فإنه لم يكن مستطيعًا أن يعتمد على جنوده الذين كانت قد ضعفت رغبتهم فى القتال. وأثر نزول الحسن عن الخلافة آثارًا شديدة الوقع فى نفوس العلويين الذين طالبوا من بعد بالخلافة. وفى المناظرات التى دارت معهم لجأ مجادلونهم إلى التذرع بالقول بأنهم فقدوا كل حق فى الخلافة بنزول الحسن عنها، وهى حجة لم يكن من السهل دفعها. وهناك حديث، (البخارى، جـ ٢، ص ١٦٩. الترجمة الفرنسية، ص ٢٣٨ وما بعدها) يدل فى ظاهرة على أن عزوف الحسن عن المقاومة كان ميزة كبيرة، فيروى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال:"ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين".
بعد نزوله عن الخلافة: وفى عودة الحسن إلى المدينة تلقى فى القادسية كتابًا من معاوية يطلب منه فيه أن يشترك فى الحملة على ابن الحسناء الطائى الخارجى الذى كان قد بدأ لتوه يحرج عليه. وأجاب الحسن بأنه قد سبق أن عزف عن قتاله لتحقيق السلام للناس وأنه سوف لا يقاتل من أجله. واستقر الحسن فى المدينة يعيش