رواياتهم المتصلة تقريبًا على أبى مخنف. وقد كانت كتابات أبى مخنف موضع التقدير العظيم حتى لدى الشيعة، فقد كان هذا الرجل هن المتعاطفين مع الحسين، وقد استقى من مجموع رواياته أقدم كتابهم (مثل المفيد المتوفى سنة ٤١٣ هـ ١٠٢٢ م) وكذلك أولئك الذين أوتوا من ملكة النقد حظًا يؤهلهم لتنقيتها من تهاويل الخيال (مثل أويس، وهو محدَث) وكانت نزعتهم الشيعية تظهر فى غير ذلك من الوقائع. ولم يحدث إلا فى عهد متأخر كل التأخر (فى أوائل القرن السابع الهجرى الموافق الثالث عشر الميلادى فيما يظهر) أن عدّل بعض من وقائع الحسين بإضافة روايات أخرى (مبارزات فردية قتل فيها الحسين خصومه بالعشرات؛ الحسين يدافع عن نفسه دفاع الأسد يذبَّح مهاجميه وغير ذلك). وإن كانت هذه الحكايات قد انتقدها ابن كثير (جـ ٨١، ص ٢٠١).
دعوة الكوفيين للحسين وبعثة مسلم بن عقيل إلى الكوفة: قوبلت الأنباء بوفاة معاوية بالرضا والاغتباط فى الكوفة، ذلك أن معظم سكانها كانوا من الشيعة، وسرعان ما أرسلت رسائل ورسلًا تدعو الحسين إلى القدوم إلى هذه المدينة التى لم تعد تطيق الحكم الأموى، فقد وصموه بجريرة أنه استولى على الفئ وسمح بملك الله أن ينتقل إلى أيدى أصحاب السلطان والثروة وقتل خيار الناس (مثل حجر ابن عدى وأنصاره) وأبقى على شرارهم (انظر رسالة سليمان بن صرد الخزاعى وغيره من الشيعة فى الطبرى، جـ ٢، ص ٢٣٤، الخ). وأجاب الحسين بأنه يدرك رجاءهم فى أن تتحد صفوفهم بفضله فى الطريق المستقيم وفى الحق، وأضاف "ما الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخد بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله" ومع ذلك فقد رأى الحسين أن يأخذ بالحيطة قبل أن يتخذ قرارًا، فأرسل ابن عمه مسلم ابن عقيل إلى الكوفة ليجس النبض. ولم يلبث مسلم أن جمع كلمة آلاف من المؤيدين بل هو قد استطاع أن يرأس جماعة وهو على المنبر فى المسجد (الطبرى، جـ ٢، ص ٢٥٧؛ الدينورى، ص ٢٥٢). على أن