أن تحدث، ويعلق لامنس (Laumens: Le Califat de Yazid leer ص ١٦٩) أهمية كبيرة على رواية مختصرة لأبى مخنف تقول إن القتال لم يدم إلا بمقدار قيلولة يقيلها المرء (الطبرى، جـ ٢، ص ٣٧٤، وغير ذلك من الصفحات) ويخلص من ذلك إلى القول: "إن مأساة كربلاء لم تدم أسابيع بل انطوت على فعل واحد وانقضت فى ساعة .. ". وبعد فإن من الروايات التى رواها أبو مخنف بعضًا لا شك فى أنه قد وضعه، ولكنا إذا نظرنا إلى رواياته فى مجملها نجد أنها رواية متماسكة معقولة، ومن ثم فإن اختيار رواية منها واحدة من حيث هى تختلف حقًا أو ظاهرًا عن سائر الروايات، منهج فى النقد تختلف الآراء فى قيمته، وخاصة أن الراوى كما فى هذه الحالة واحد، كما أن الرواية فى هذا الأمر يمكن تفسيرها بأنها تنطوى على تفاخر مقاتل أمام الخليفة، أو على وصف لآخر مشهد فى المأساة.
وفى صبيحة العاشر من المحرم عبأ الحسين أصحابه (٣٢ فارسًا و ٤٠ راجلًا، وجعل على ميمنته زهير بن القين وعلى ميسرته حبيب بن مظاهر) أمام مضاربه، وأعطى رايته أخاه العباس وأمرهم بإشعال النار فى أكوام الخشب والقصب، ثم أمر لنفسه بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك فميث ثم دخل الحسين الفسطاط وتطَّلى بالنَّورة. وهنالك ركب الحسين فرسه ثم تضرع إلى الله بدعاء طويل بليغ (الطبرى، جـ ٢، ص ٣٢٧) وراح يسترسل فى حديث إلى أعدائه قائلًا إن الله وليه، وهو الذى يحمى المتقين، ودعاهم إلى تدبر الأمر وهل من الشرع أن يقتلوه، وذكرهم بقول النبى عليه الصلاة والسلام أنه هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة، وأشاد بالفضائل الجمة لآل البيت ثم عاد إلى لوم أهل الكوفة الذين دعوه إلى القدوم عليهم ورجائه أن يسمحوا له بالذهاب إلى أرض تمنحه الأمان. فلما أعيد على مسامعه أنه يجب عليه أولا أن يخضع لأبناء عمومته ورد عليهم بأنه لن يذل نفسه كما يذل العبيد (وقد ذكر محسن الأمين، ص ٢٥٥ - ٢٦٠ هذا الحديث فى روايات أطول). ثم نزل الحسين عن فرسه وأمر فأنيخت راحلته ليدلل للقوم أنه لن يعمد إلى الفرار.