الأدب التقليدى إلا أنه في نظر الحصرى محدد الخصائص تحديدًا دقيقا أكثر من غيره وفى غرضه العملى التهذيبي بخاصة. والحق أن كتاب (جمع الجواهر) يسد ثغرة في زهر الآداب، ذلك أن الجانب الممتع الخفيف الذى يكون في بعض الأحيان خليعًا في هذا القالب الأدبى كان يظن أنه لا يتمشى مع الجدية التى يتسم بها "الكتاب الكبير". زد على ذلك أن الطالب أو الأديب المتمرس والكاتب المرجى للمستقبل في حاجة إلى أن يؤهل نفسه شيئًا فشيئًا للإفادة من هذا الأثر الكامل. ونور الطرف كتب مثل جمع الجواهر بعد زهر الآداب، وهو يسد في جوهره الحاجات العملية والتهذيبية.
٤ - كتاب المصون في سرّ الهوى المكنون (ليدن، فهرس المخطوطات الشرقية، رقم ٢٥٩٣ - ٤٦٣). وقد تكون هناك صلة إلى حد ما بين هذا الكتاب والأدب، ذلك أن وفرة التفصيلات الأدبية فيه تكشف عن أنشطة أدبية لم تكن بعد معروفة عن الحصرى. وهو يتناول فيه بعامة مشاعر الحب، وبخاصة مظاهره في آلاف من الوجوه المختلفة بالرغم من رغبة عند الحصرى لإخفائه سواء كانت هذه الرغبة عن وعى أو غير وعى. والكتاب رسالة موسوعية الطابع تسعى إلى أن تراعى الأصول الفنية بل العلمية في الأمور التى تتصل بالحب.
وهذا الكتاب على النقيض من كتب الحصرى الأخرى، ذلك أن معلوماته وموضوعه في معظمها قديمة معروفة، وإنما بسط الموضوع هو من إبداع المؤلف بصرف النظر عن الشواهد التى ساقها منظومة أو منثورة. ومصادره ليست كلها من العرب، فنحن نجد فيه أسماء مفكرين وعلماء وفلاسفة من اليونان تتردد كثيرًا، ثم إن التصور الكامل للكتاب على طريقة الحوار تفصح عن أنه استلهم العصر اليونانى المتأخر، وكذلك فإن الحصرى فكر في تأليف كتاب عن طبقات الشعراء، والراجح أنهم ممن ينتسبون إلى القيروان، على أنه عدل عن هذه الفكرة فيما يظهر لشدة احتجاج ابن رشيق، فقد كان هو أصغرهم سنًّا، ومن ثم لم يشأ أن يأتى في آخر طبقة.