للدلالة على المستقبل لا مثيل له فى القرآن، وإذن فهذه الآية تفصح عن نشوة الانتصار بهلاك أبى لهب الذى حدث قبل نزولها (انظر وفاته فيما بعد) وتدل على أنها نزلت بعد وقعة بدر بقليل من الزمن. ولم يشهد أبو لهب هذه الوقعة بنفسه إما لأنه كان مريضًا كما تقول بعض الروايات، وإما لأنه تشاءم من رؤيا سيئة رأتها عاتكة كما تقول روايات أخرى، وأرسل بدلا منه عاصى بن هشام الذى كان أبو لهب قد ربح جميع أمواله فى الميسر فاستبعده نظير دينه. وقد فاخر الشاعر الفضل بن
العباس اللهبى بن حفيد أبى لهب بهذا الحادث الأخير فى شعر له (انظر الأغانى، جـ ١٥، ص ٧). ولما بلغت أخبار هذه الوقعة السيئة مسامع أبى لهب، ثار غضبًا على مبلغها إياه وعلى زوجه، وتوفى بعد ذلك بقليل من الزمن (بسبعة أيام كما يروى ابن هشام) بالعدسة. ومما أروى غضب المسلمين أن أبناءه لم يجرءوا على القرب من جثمانه بعد هلاكه، وتركوه حتى أنتن، ولما أمروا بأن يدفنوه لم يحتفل الناس بجنازه الاحتفال اللائق (ابن اسحاق فى الأغانى جـ ٤، ص ٣٣: تفسير البيضاوى، المسد، آية ٢) وجاء فى رواية فردة أنه توفى بعد ذلك بمدة طويلة، أى حوالى عام ٨ هجرية، لأنه كان قد وعد آخر كهان الإلهة عزى -قبل وفاته- بأنه سيرعى حمى هذه الإلهة، وليست هذه الرواية جديرة بالاعتبار: أولًا لأن أبا لهب لم يذكر قط فى غير هذه الرواية بعد عام ٢ هـ (٦٢٤ - ٦٢٣ م) ثانيًا لأن ابن سعد يذكر فى حديث يرفعه إلى ابن عباس أنه عند فتح مكة عام ٨ هـ (٦٣٩ - ٦٣٠ م) قبل النبى [- صلى الله عليه وسلم -] إسلام ابنى أبى لهب: عتبة ومعتب، اللذين حاربا فى صفه فى غزوة حنين. فليس هناك إذن موضع للقول بأن أباهما كان لا يزال حيًا فى ذلك الوقت أو قبله بقليل.
ويوصف أبو لهب بأنه رجل عظيم الجثة غليظها، سريع الغضب، جمع ثروة طائلة ليدفع بها عادية الأيام كما يقال (القرآن الكريم، سورة المسد، آية ٢). وكان ابنه عتبة قد تزوج قبل