الإنكشارية الذين كانوا العائق الأول فى طريق الإصلاح العسكرى وغيره من الإصلاحات حين ثاروا على إقامته لجيش على نظام حديث. وأذن القضاء عليهم بنهاية حقبة عسكرية خالصة فى تاريخ استحداث نظم جديدة فى تركيا. وأصبح محمود قادرًا على المضى فى إصلاح المؤسسات، وحل السر عسكر محل أغا الإنكشارية وقام بمهام القائد الأعلى وزير الحربية. وما حلت نهاية القرن التاسع عشر حتى أصبح منصب السر عسكر مدنيا بين الحين والآخر (انظر: شيخ الاسلام جمال الدين: خاطرات سياسية، القاهرة سنة ١٩١٧, ص ١٠ - ١٢) لكن منصب السر عسكر لم يتحول إلى وزارة حربية إلا بعد ثورة ١٩٠٨. وتحولت المؤسسة الدينية إلى ديوان، ووضعت تحت رقابة السلطان تمامًا، ودل على ذلك تكوين مكتب رسمى لشيخ الإسلام يعرف باسم "باب مشيخت" أو "فتوى خانه". وأنهى محمود الاستقلال المالى للمؤسسة الدينية بإنشاء هيئة تفتيشية للأوقاف، أصبحت وزارة فيما بعد. ولم يعد شيخ الإسلام أكثر من موظف مدنى ذى مهام استشارية. وبعد إدخال النظام الوزارى أصبح عضوًا به، إلا أنه تمتع بميزة هى تعيينه من قِبَل السلطان وليس من قبل الصدر الأعظم.
وفى عام ١٨٣٥, وجه محمود انتباهه إلى الباب العالى الذى كان طوال القرنين الماضيين قلب الحكومة العثمانية تتركز فيه جميع الأمور. وأصبحت وظيفة (الكاخيا) القديمة وزارة للشئون المدنية (ملكيه) أولا، ثم أصبحت فيما بعد وزارة الداخلية (داخلية نظارتى) وفى حين أصبحت وظيفة رئيس الكتاب وزارة الشئون الخارجية (خارجية نظارتى)، وفى سنة ١٨٣٧, أى بعد عامين، تحول "الدفتر دارلق" إلى وزارة المالية. وحصلت هذه الوزارات على كثير من الامتيازات التى كان يتمتع بها عادة الصدر الأعظم. ولم يكن إلغاء لقبه أكثر من انعكاس لاضمحلال منصبه. وفى ٣٠ مارس ١٨٣٨, خلع اللقب الحديث "رئيس الوزراء" أو "باشوكيل" على الصدر الأعظم، وأصبح الوزير الأول فى