للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بشرقى إيران، ومكث فيها خمس سنوات يعظ فى المدن، كما مكث غير قليل فى الرباطات على الحدود، التى كانت ملجأ للمتطوعين فى "الجهاد" ثم عاد إلى إقليم تستر، واستطاع بمساعدة الوزير حمد قنائى أن يوفر لأسرته الإقامة فى بغداد.

الحجة الثانية، والأسفار البعيدة، والحجة الثالثة:

حج الحلاج حجته الثانية بمكة، ومعه أربعمائة من مريديه، وهناك اتهمه بعض أصدقائه السابقين والصوفية بالسحر والعرافة ومخاواة الجن. وبعد حجته الثانية هذه رحل رحلة طويلة فى بلاد الهند (الهندوكية) وفى تركستان (المانوية والبوذية) فيما وراء حدود دار الإسلام. "متوجهًا إلى ما يجاوز المجتمع الإسلامى، إلى البشرية جمعاء يريد أن يكشف لها الشوق الحبيب إلى الله فى صبر وصفاء مما اتصف به الحلاج منذ ذاك ... " (L. Massignon) وحوالى سنة ٢٩٠ هـ (٩٠٢ م) عاد الحلاج إلى مكة ليؤدى حجته الثالثة والأخيرة، أجل عاد إلى مكة مرتديًا المرقعة والفوطة حول وسطه. وكان يدعو الله بعرفات أن ينزل به إلى مرتبة العدم ليكون محتقرًا منبوذًا، ومن ثم فالله وحده هو الذى يفئ على نفسه تعالى نعمته من خلال قلب عبده وشفتيه.

الموعظة الأخيرة فى بغداد: عاد الحلاج إلى بغداد، وأقام فى بيته أنموذجًا للكعبة المشرفة، وظل يقوم الليل بجوار المقابر، ويعلن بالنهار فى الطرقات والأسواق عن حبه المتوقد لله، وعن رغبته فى أن يموت مغضوبًا عليه من مجتمعه بحكم اتحاده بالله. وكان يقول: "أيها الناس أغيثونى عن الله" .. "اعلموا أن الله تعالى أباح لكم دمى: فاقتلونى" .. وقد أثارت هذه الدعوة مشاعر الجمهور، وأشاعت القلق بين الطبقات المثقفة. وغضب محمد بن داود الظاهرى من ادعاء الحلاج بأنه اتحد صوفيًا بالله؛ وشكاه إلى القضاء، وطالب بالحكم عليه بالقتل، ولكن القاضى الشافعى المذهب ابن سريج قال إن الإلهام الصوفى خارج عن ولاية المحاكم. وفى هذه الفترة، وحيال الموقف العدائى لنحاة البصرة، قام الحلاج بالرد على الشبلى، فى جامع المنصور