ويظهر أن اثنين من أهم مؤلفات الحلاج يرجع تاريخها إلى هذه الفترة، هما: طآسين الأزل، وهو تأمل فى حالة إبليس "الموحد العاصى" والرسالة المختصرة عن "معراج" محمد عليه الصلاة والسلام، الذى وقف قاب قوسين أو أدنى من جوهر الذات الإلهية.
وقد أدانت هذه التأملات رفض إبليس طاعة الله وذهبت إلى أن اتحاد المحبة بين الله والإنسان أمر ممكن خارج عن تجربة النبى عليه السلام. ويبدو أن هذه التأملات إنما كانت ردًا على رجل من غلاة الشيعة هو الشلمغانى، الذى ذهب إلى أن الإيمان والإلحاد، والفضيلة والرذيلة، والإصطفاء واللعنة ليست جميعًا سوى "مقابلات" ترضى الله على حد سواء. وكان للشلغمانى نفوذ كبير فى بلاط بغداد، بل حتى فى مجرى محاكمة الحلاج.
الحكم: أعيدت المحاكمة، وأثيرت القضية سنة (٣٠٨ - ٣٠٩ هـ = ٩٢١ - ٩٢٢ م). وكان أساسها مضاربة حامد المالية التى عارضها ابن عيسى دون جدوى. وأراد حامد القضاء على نفوذ ابن عيسى، فدبر إعادة محاكمة الحلاج. وساعده على ذلك ابن مجاهد الشيخ الوقور لجماعة قرّاء القرآن، وصديق الصوفيين ابن سالم والشبلى ولكنه كان من المعارضين للحلاج. وتظاهر الحنابلة بتحريض ابن عطاء، وهو نفسه حنبلى متصوف، وصلوا "للدعاء" على حامد: منكرين سياسته المالية ومستهدفين إنقاذ الحلاج. بل هم قد تظاهروا أيضًا على الطبرى الذى أدان أعمال الشغب. وقد هيأت هذه الاضطرابات الفرصة للوزير حامد، ليدخل ابن عطاء فى المحاكمة. ولكن ابن عطاء رفض أن يشهد على الحلاج، وقرر أن الوزير لا يملك حق الحكم على سلوك "الأولياء". وأهانه أحد الحراس فى جلسة المحاكمة، ومات متأثرًا بما لحق به من جراء ذلك.
وقد أعد الحكم سلفًا كل من حامد، والقاضى المالكى أبو عمر بن يوسف، الذى كان دائم التأييد لمن فى يدهم السلطة وقتذاك، وكان الحكم يدين