للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهناك يمكن أن نقارن التفصيلات التى تجمع على هذا النحو مقارنة مفيدة بالتفصيلات الأخرى التى تضيفها النصوص الفقهية أو الأدبية، ومن ذلك، على سبيل المثال، الأسماء التى اصطلح على إطلاقها على مختلف العاملين المنوط بهم تشغيل الحمام، والتى نجدها عند كاتب مثل هلال الصابى فى القرن الرابع الهجري الموافق العاشر الميلادى (رسوم دار الخلافة، بغداد سنة ١٩٦٤, ص ١٩). وبخصوص هذا الموضوع الأخير مثلًا، فقد كشف بحث مختصر أن اثنين من طاقم العاملين بالحمام وهما "الوقّاد" و"الزبّال" (وهو الذى يشرف على إمداد الحمام بالوفود الذى هو عبارة عن الروث" لإيقاد التنور) ما يزالان يعرفان بهذين اللقبين فى دمشق (أما فى فاس فيطلق على الأول "السخان" وعلى الثانى "الغبَّار")، فى حين قد تبين أنه لم يعد يستخدم اليوم مصطلح "صاحب الصندوق" للدلالة على المشرف على غرفة تغيير الملابس (يُسمى "الجَلّاس" فى فاس ويرتبط فى دمشق بـ "المعلم" أي صاحب الحمام) كما لم يعد يستعمل مصطلح القَيَّم" للدلالة على مستأجر الحمام. أما وظيفتا "المُزَيَّن" و"الحجَّام"، التى ذكرهما هلال أيضًا، فيبدو أنهما فقدا أهميتهما وحل محلهما وظيفة "المكيس" أو "الكَيَّاس" (أى المدلِّك الذى يستخدم الكيس ببراعة، وهو كيس من ألياف الكتان يستخدم لتدليك الزبون) ومن الراجح أن وظيفة "الكيَّاس" مرتبطة بوظيفة "الحكَّاك" التى ثبت وجودها فى قرطبة فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) وبوظيفة "الدلّاك" - التى تدل على المعنى نفسه وذكرها أوليًا جلبى فيما يختص باستانبول.

وهكذا وجب علينا أن نتناول جملة مفردات بالغة الثراء وكثيرة التغير، مما يعكس الفروق التى لا مناص من أنها قد وجدت بين الاستخدامات الاصطلاحية التى تميزت بها كل منطقة وكل حقبة زمنية على حده، مما يحفظه لنا فى كثير من الأحيان التراث الأدبى الزاخر بالأمثال والحكايات والأساطير الشعبية، ذلك التراث الذى يبدو دائمًا وقد أحاط بالحمام باعتباره مرتعًا خصبًا للمعتقدات والخرافات المحلية،