ثم أصبح أول خليفة من غير المروانيين يلى عرش الخلافة القرطبية منذ عودة الأمويين إلى إمارة الأندلس. وفى الأشهر الثمانية الأولى من حكمة حاز رضا رعاياه بأخذ البربر فى شدة بحكم الشرع بعد أن كانوا قد درجوا على عدم الخضوع. على أنه لم يلبث أن رأى أن القرطبيين بدءوا يتذمرون منه ويعدونه مغتصبًا أجنبيًا للخلافة وراحوا يبدون تعاطفهم مع المرتضى المطالب الأموى بالعرش، فنسى ما جرى عليه من اعتدال، وسمح للزناتة بأن ينعموا بامتيازاتهم وحصاناتهم وأخضع قصبة البلاد لحكم إرهابى حتى اغتاله ثلاثة صقالبة من مماليك قصره. ودعا أنصاره الزناتة أخاه القاسم الذى كان يتولى أمر إشبيليه، ونادوا به خليفة. وكان المطالب الوحيد الذى ينازعه الخلافة ابن حفيد عبد الرحمن الثالث، فنودى بهذا المطالب خليفة فى ١٠ ذى الحجة سنة ٤٠٨ (٢٩ أبريل ١٠١٨) على يد الفتى الصقلى خيران صاحب المرية والمنذر العربى صاحب سرقسطة، ولكنه إذ هاجم غرناطة تمهيدًا للسير إلى قرطبة، اختفى عن الأنظار وقتل. وهنالك استطاع أهل قرطبة أن ينعموا بسلام لم يكونوا يتوقعونه ثلاث سنوات بفضل اعتدال القاسم الذى استطاع بحرسه أن ينتصر على زعماء الصقالبة الذين كانوا يساندون المرتضى. ولم يكن هذا النظام السمح فى الحكم ليستطيع أن يدوم. فقد أحس بربر القصبة أنهم أهينوا فدعوا يحيى الابن الأكبر لعلى ابن حمود إلى العبور من مراكش إلى مالقة والسير إلى قرطبة. وانصرف عمه المسن القاسم عن النضال والتجأ إلى إشبيلية. ونودى بيحيى خليفة بقصر قرطبة فى الثانى والعشرين من ربيع الآخر سنة ٤١٢ (٥ أغسطس ١٠٢١). واستطاع أن يدعم عرشه سنة واحدة ونصف السنة، ذلك أن فظاظته التى باعدت بينه وبين عطف أولئك البربر أنفسهم الذين ولوه الخلافة فولى هاربًا إلى مالقة. وعاد عمه من إشبيلية ليتولى بنفسه الخلافة مرة أخرى فى القصبة، ومضت ستة أشهر ضاق أهل قرطبة بالإفريقيين فانقضوا عليه فى ٢١ جمادى الآخرة سنة ٤١٤ (١٠ سبتمبر ١٠٢٣) وأجبروه على