للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(ومن هنا حنطة = "قمح") ومن ثم الأثر الذى تخلفه الزيوت العطرية إلخ .. والمعنيان موجودان فى العربية والعبرية. وتفسر كلمة حَنَّاط (العربية) فيقال إنه الشخص الذى يحترف الحناطة؛ ويشرح السمعانى كلًا من كلمة "حَنَّاط" و"حَنّاطى" فيقول إنهما يطلقان على بائع الحنطة. ويبدو أن اللغة الآرامية وحدها هى التى تعنى بكلمة "هَنَّاطا" المُحَنِّط. والحنوط هو طيب، أو مرهم ذو رائحة زكية، ولكنه يرتبط بالموت على الدوام؛ وكان العرب حين يستعدون للحرب يضمّخون أنفسهم بالحنوط، ليكونوا أقوياء فى مجابهة الموت (عبيد بن الإبرص (١)، سنة ١٩١٣, ص ١٧). وثابت بن قيس الذى حمل راية الأنصار، حنط نفسه، وارتدى كفنه واحتفر حفرة غطس فيها حتى ظنابيب ساقيه، وحارب منها حتى قتل. وتردّ هذه العادة إلى ثمود، ذلك أنهم: لما استيقنوا بالعذاب تكفنوا بالأنطاع، وتحنطوا بالصبر لئلا يجيفوا وينتنوا. ولم يكن هذا التقليد مقصورًا على المحاربين؛ لأن ثمة شاعرًا يقول: "وكل ذى عمر يومًا سيحتنط"؛ ولم يكن هدفه المنفعة بالتأكيد لأن الإنسان وهو على شفا الموت، يجب أن يتطيب "تشريفًا للملائكة". ولم يحنط الشهداء، بما فيهم الحاج الذى هلك بسقوطه عن جمله. ويروى الإنجيل عبارة مماثلة هى "فطيبت جسدى سالفًا للدفن (٢) ". وكانت الأفاوية تحمل إلى القبر.

وكان الحنوط أنواعًا مختلفة؛ وعبارة "أفضل حنوط هو الكافور" تناقض عبارة "كافور وحنوط" وعبارة "ضعوا الحنوط على رأسى ولحيتى، والكافور على مواضع سجودى", أى أجزاء الجسم التى تلمس الأرض فى أثناء الصلاة، ومقدمة الرأس (الجبين والأنف)، وأطراف اليدين، والركبتين، وأصابع القدمين. ويصنع الحنوط من


(١) ورد فى ديوان عبيد بن الأبرص بيت من الشعر يقول فيه:
وكل مجتمع لا بد مفترق ... وكل ذى عمر يومًا سيحتنط
(ديوان عبيد بن الأبرص، تحقيق سير تشارلس ليال، دار المعارف, القاهرة، بدون تاريخ, ص ٢٢).
المترجم
(٢) إنجيل مرقس.