العربية مستجيبًا في ذلك لرغبة الزبائن. وأبدى هو نفسه نزوعًا إلى اللغة السريانية على حساب العربية، فقد نعى عليها الافتقار إلى الأسماء العلمية المناسبة إذا قورنت بالسريانية أو الإغريقية أو الفارسية (انظر قطعة من مؤلفه "كتاب النُقَط" نشرها شيخو في مجلة المشرق، جـ ٢٠، سنة ١٩٢٢، ص ٣٧٣). على أنه هو وأفراد مدرسته تحاشوا قدر الاستطاعة أن ينقلوا الأسماء بالحرف، وبذلك ساعدوا على نحت مصطلحات عربية علمية. وكان حنين إلى ذلك يشق عليه أن يكتسب معرفة سليمة بالنحو العربي، بل يقال إنه درسه في البصرة وأنه استحضر منها كتاب العين للخليل بن أحمد. أما أنه قد تهيأت له الفرصة للقاء هذا النحوي المشهور شخصيًا كما أشار إلى ذلك ابن جُلْجُل وغيره فأمر مستحيل لأسباب تتعلق بالتسلسل الزمنى (انظر M. Plessner في rso، جـ ٣١، سنة ١٩٥٦، ص ٢٤٤ وما بعدها) ويجمع أصحاب الطبقات من العرب على أن حنين كان "فصيحًا".
وأخبرنا شاهد عيان كيف تأتى لحنين أن يحصل هذه المعرفة العجيبة باللغة الإغريقية، وهذا الشاهد يدعى يوسف بن إبراهيم (انظر ابن أبي أصيبعة، طبعة Mueller, جـ ١، ص ١٨٥)، ويبدو أن هذه الرواية وثيقة كل الثقة حقًا، فهي تقول إن حنين بدأ دراسة الطب في بغداد على يوحنا بن ماسويه طبيب البلاط المشهور ورئيس "بيت الحكمة". وجرى حنين على الإكثار من الأسئلة العويصة فأثار غضب شيخه وانتهى الأمر بأن أمره الشيخ بترك مدرسته. وهنالك اختفى حنين من قصبة الخلافة نيفًا وسنتين، وسكت الراوى عن ذكر تنقلاته، وإن كانت بعض المراجع تناقض ذلك فتقول إنه شَخَص إلى الإسكندرية، وبعضها تذهب إلى أنه كان يقيم في "بلاد الروم". فلما عاد كان قد تضلع في اللغة الإغريقية حتى بلغ به الأمر أنه كان يستطيع أن يتلو شواهد من هوميروس. ثم اصطلح مع ابن ماسويه الذي شجعه تشجيعًا على الترجمة من الإغريقية (انظر Les axiomes medicaux de Yuhanna Ben