القيس ص ٤، بيت ٥٩، النابغة ص ٥، س ٢٩) وبلغت الحيرة مرحلة من الحضارة، وتزاحم الشعراء على بلاط ملوكها. وتقص الروايات أيضًا أن صناعة الكتابة راجت في الحيرة، ومنها انتشرت في ربوع جزيرة العرب. ولما مات الملك النعمان الثالث (٦٠٢ م) لم يتورع الأكاسرة عن القضاء على الأقيال اللخميين، وأحلوا محلهم على المدينة عمالًا من الفرس، يدين لهم أمراء العرب بالولاء. وظل الحال على هذا المنوال إلى عام ٦٦٣ م عندما هاجم خالد الحيرة على رأس جيش المسلمين فاستسلمت المدينة بلا قتال، وقبلت أن تؤدى جزية لا بأس بها، ومن ثم زالت أهميتها وإن بقيت أمدًا طويلًا بعد ذلك. ولم يخترها العباسيون مقرا لحكمهم، كما زاد ظهور الكوفة في اضمحلالها. ومع هذا فقد ألم بها الخليفة هارون الرشيد فترة وشيد فيها المباني، فأثار ذلك سخط أهل الكوفة مما دعاه إلى تركها. وتعرضت في عهد المقتدر (٩٠٨ - ٩٣٢)، كغيرها من ربوع السواد، لغارات البدو فاضطرت الحكومة إلى إنفاذ الجند إليها. وقد وصفت في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادى بأنها متسعة الجنبات قليلة السكان. واضمحلت باضمحلال الإقليم بأسره حتى أصبحت أثرا بعد عين. وفي موضعها مراع ليس فيها ما يذكر بماضيها إلا تلال وأكوام من الأنقاض.
المصادر:
(١) الطبرى، التاريخ، طبعة ده خويه، جـ ١، ص ٨٢١ وما بعدها، ٨٥٣، ٢٠١٦ وما بعدها؛ جـ ٣، ص ٦٤٥ (انظر أيضًا الفهرس).