"حيرة النعمان" نسبة إلى أحد ملوك اللخميين. وقد زين هؤلاء مدينة الحيرة وضواحيها بالقلاع والقصور التي من أشهرها: الخورنق والسدير، كما شيدت الأميرات النصرانيات من الأسرة الملكية، بعض الأديرة الشهيرة مثل: دير هند. وبلغت مدينة الحيرة أوج عظمتها أيام حكم الملك المنذر الثالث ذائع الصيت (سنة ٥٠٣ - ٥٥٤ م) حينما صارت مركزًا للأنشطة السياسية والدبلوماسية والحربية التي شارك فيها كل من فارس وبوزنطة وشبه جزيرة العرب. ومع ذلك، ظلت الحيرة بالنسبة للساسانيين بمثابة قلعة لحماية بلاد ما بين النهرين من غارات البدو الرحل، ومدينة للقوافل ذات أهمية حيوية للتجارة العابرة بين بلاد فارس وشبه جزيرة العرب.
وصارت الحيرة بحكم موقعها الجغرافي ملتقى ثلاثة تيارات ثقافية متفاعلة: تيار الثقافة الفارسية، وتيار الثقافة العربية الوثنية الفطرية، وتيار الثقافة البوزنطية، التي مثلتها أساسًا النصرانية النسطورية، ومن هنا كان شأنها المتزايد ثباتًا ودوامًا، والراجح كل الرجحان أن الخط العربي تطور أول ما تطور، في الحيرة. وكانت الحيرة مقر أسقف من أساقفة النساطرة، ومن ثم انتقلت النصرانية منها إلى شبه جزيرة العرب. واجتذبت من حيث هي عاصمة اللخميين شعراء العرب من شبه الجزيرة مثل: عبيد، وطرفة، والنابغة، ومن ثم، كانت حافزًا لتهذيب شعر المديح العربي واكتماله. وقد أنجبت الحيرة أيضًا شاعرًا جاهليًا فحلا هو عدى بن زيد الذي انتمى إلى جاليته النصرانية الشهيرة العباد، ويصور شعر هذا الشاعر جوانب كثيرة من الثقافة الحضرية لمدينة الحيرة.
ومع أن الغساسنة استولوا على الحيرة وخربوها مرتين، بيد أنها بدأت تفقد أهميتها ومكانتها مع تدهور اللخميين وسقوط مملكتهم إلى غير رجعة بعد وفاة النعمان الثالث سنة ٦٠٢ ميلادية، واستقبلت حاكمًا فارسيًا سنة ١٢ هـ (٦٣٣ م)، واستسلمت للجيش الإسلامي بقيادة خالد بن الوليد، وتعهدت بأداء الجزية، ثم إن