للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأرعن الهم تزبره زبرًا فتكسره كسرًا وأن تستدرج غلواء هذا التائه العسر بخلابة هذا الأرعن الملق فتخفضه خفضا، وأما هذا المموه (١) المتحرص فلا تحتج اليه أو يؤتيك موثقًا من الله غليظا، فهنالك صدقه تصديقا ولا تحجم عن إصاخة إليه لما ينهيه إليك، وإن خلط فإنك لن تعدم من أنبائه ما هو جدير باستثباته وتحققه به، فلما وصف لى هؤلاء الرفقة وجدت قبولى مبادرًا إلى تصديق ما قرفهم به فلما استأنفت في امتحانهم طريقة المعتبر صحح المختبر منهم الخبر عنهم، وأنا في مزاولتهم ومقاساتهم فتارة لى اليد عليها وتارة لها على، والله تعالى المستعان على حسن مجاورته هذه الرفقة إلى حين الفرقة - ثم إني استهديت (٢) هذا الشيخ سبيل السياحة استهداء حريص عليها مشوق اليها، فقال إنك ومن هو بسبيلك من مثل سياحتى لمصدود وسبيله عليك وعليه لمسدود (٣) أو يسعدك التفرد، وله موعد مضروب لن تسبقه فاقنع بسياحة مدخولة بإقامة تسيح حينا وتخالط هؤلاء حينًا، فمتى تجردت للسياحة بكنه نشاطك وافقتك وقطعتهم، وإذا حننت نحوهم انقلبت إليهم وقطعتنى حتى يأتي لك أن تتولى براءتك منهم. فرجع بنا الحديث إلى مساءلته عن إقليم إقليم مما أحاط بعلمه ووقف عليه خبره، فقال لى إن حدود الأرض ثلاثة -حد يحده الخافقان (٤) وقد أدرك كنهه وترامت به الأخبار الجلية المتواترة والغريبة يجل ما يحتوى عليه، وحدان (٥) غريبان- حد المغرب وحد قبل المشرق، ولكل واحد منهما صقع قد ضرب بينهما وبين عالم البشر حد محجوز لن يعدوه (٦) إلا


(١) أشار به إلى الطريق الذي يجب أن يسلك في تدبير القوة المتخيلة للوصول إلى السلامة. وذلك كأن لا يثق بها كل الثقة. ويميز صدقها من كذبها، وباطلها من حقها.
(٢) استهديت. أي لما وجدت العقل على هذا الكمال، وأنه منبع العلوم والمعارف. حرصت على سلوك سبيله، واقتباس العلم منه. ففزعت إليه ليهديني السبيل السوى.
(٣) أراد استحالة التعقل الخالص من شوب التخيل والحس، ولا يزال هذا دأبه وديدنه إلى أن يدركه الموت وتفارق النفس البدن.
(٤) "حد يحده الخافقان" هو عالم المركبات المحسوسة في عالمى الأرض والسماء، وهي التي يحيط بها الخافقان.
(٥) الحدان هما الهيولى والصورة فالتى وراء المغرب الهيولى، والتى من قبل المشرق الصورة.
(٦) أي لكل من الهيولى والصورة كنه وحقيقة قد ضرب بينهما وبين عالم البشر بسور.