للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد تطوق هذا الإقليم كل حيوان ونبات لكنها إذا استقرت به ورعته وشربت من مائه غشيته غواش غريبة من صورها (١) فترى الإنسان فيها قد جلله مسك بهيمة ونبت عليه أثيث من العشب، وكذلك حال كل جنس آخر، فهذا إقليم خراب سبخ مشحون بالفتن والهيج والخصام والهرج يستعير البهجة من مكان بعيد. وبين هذا الإقليم وإقليمكم أقاليم أخرى (٢) لكن وراء هذا الإقليم مما يلى محط أركان السماء إقليم شبيه به في أمور (٣) منها أنه صفصف غير آهل إلا من غرباء واغلين، ومنها أنه يسترق النور من شعب غريب وإن كان أقرب إلى كوة النور من المذكور قبله، ومن ذلك أنه مرسى قواعد السماويات كما أن الذي قبله مرسى قواعد هذه الأرض ومستقر لها، لكن العمارة في هذا الإقليم مستقرة لا مغاصبة بين ورادها للمحاط، ولكل أمة صقع محدود لا يظهر عليهم غيرهم (٤) غلابا فأقرب معامره منا بقعة سكانها أمة صغار الجثث حثات الحركات ومدنها ثمان (٥) مدن ويتلوها مملكة أهلها أصغر جثثا من هؤلاء وأثقل حركات يلهجون بالكتابة والنجوم والنيرنجات والطلمسات والصنائع الدقيقة والأعمال العميقة، مدنها (٦) تسع ويتلوها وراءها مملكة أهلها متمتعون بالصباحة مولعون بالقصف والطرب مبرأون من الغموم لطاف لتعاطى المزاهر مستكثرون من ألوانها تقوم عليها امرأة قد طبعوا على الإحسان والخير فإذا ذكر الشر اشمأزوا عنه ومدنها ثمانى مدن (٧) ويتلوها مملكة قد


(١) أي أن الصورة الإنسانية إذا حصلت في المادة اقترنت بها أعراض غريبة، ولا تختص بشكل دون شكل, ولا قدر دون قدر، ولا وضع دون وضع.
(٢) يريد بالأقاليم الأخرى الأنواع المعدنية والنباتية والحيوانية. وبإقليمكم النوع الإنسانى.
(٣) أراد بها الأجرام السماوية التي أقربها إلينا فلك القمر، وهو أولها. وآخرها الفلك التاسع. وفوقه إقليم آخر وهو علة العلل وهو الله تعالى. وطبيعته مباينة لطبيعة الكون والفساد.
(٤) أي صورها صور لا تفارقها ولا تتبدل بأضدادها، وهذا شأن عالم الكون والفساد.
(٥) أشار بذلك إلى فلك القمر. وعنى بسكانها القمر نفسه. ووصفه بصفر الجثة، إذ كان حجمه أصغر من حجم الأرض.
(٦) يشير به إلى فلك عطارد، ووصفه بالكتابة والنجوم والطلمسات إلخ على مذهب أصحاب النجوم. واعتقادهم دلالة عطارد على هذه الأمور.
(٧) أشار به إلى فلك الزهرى، ووصفه بهذه الأوصاف على مذهب أصحاب النجوم.