يكشف وحده، وليس معه إنسان ما، العلوم والفلسفة، ومن الواضح أن هذا يتم عن طريق التجريد. أي أنه يظهر في صورة "تجسد العقل الفاعل في الإنسان" "على حد قول كوتييه Ibn (Gauthier Thofail، ص ٨٩)، وأفضل من ذلك بعد أن نقول إنه:"تشخص العقل البشرى الفعال في الإنسان" ومن ثم، فإن وظيفته الحقة ترد إلى عقل الإنسان وهذا تغيير أساسى في المذهب الذي تقدم وصفه متمثلا في صورة كتابة تقوم على الخيال. ويلخص هذا الأثر ما جرى في الغرب من خلافات استمرت قرنين من الزمان؛ لأنه يتضمن النظرية التي أبرزها القديس، توما الأكوينى بعد ما يقرب من مائة سنة، وهي تذهب إلى أن كمال الطبيعة البشرية يقتضى ألا يكون العقل الفعال خارجًا عن الإنسان (In Aristotelis Librum de Anima Commen tarium، الفصلان ٧٣٠، ٧٣٤).
ويشير استهلال الرسالة بصراحة إلى إبن سينا فيما يتعلق باختيار هذا الاسم، واسمى أسال وسلمان اللذين يردان في ثنايا القصة كما يشير في نقاط معينة إلى مذهب ابن سينا، ومذهب الغزالى الذي يدرس ويقارن "آراء قيلت في وقتنا هذا" من حيث إنها كلمات جعلت استخلاص الحقيقة أمرًا ممكنًا (طبعة سنة ١٩٣٦، ص ٦ - ٧). وثمة أربعة شواهد مسهبة من متن كتاب الإشارات (تحقيق Forget. ص ٢٠٢ - ٢٠٤, الترجمة الفرنسية، ص ٤٩٣ - ٤٩٧) لا تدع أي مجال للشك في أن ابن طفيل سلم بما عرضه ابن سينا في أحوال الصوفية وزهدهم، وإرهاصات الوجد، والراجح أيضا أنه سلم بنهاية قصته حي بن يقظان التي لم يستشهد بها على أية حال كلمة بكلمة. ويعد هذا التوافق في الآراء أكبر دليل على أن الحرية التي يتناول بها مصدره هي كذلك أكثر ظهورًا، ويتمثل هذا أيضا في أن عدم ارتياحه إلى ما يثيره في نفسه الفارابى وكتاب الشفاء لا يقل عما يثيره فيها العلماء الأندلسيون (الترجمة، ص ١٠ - ١١ وما بعدها). وليس في رسالة ابن الطفيل أية اشارة إلى نزعة باطنية من نزعات ابن سينا.