شرح التفتازانى على "عقائد" النسفى، طبعة القاهرة سنة ١٣٢١ هـ، ص ١٤٥ وما بعدها). ولكن سرعان ما ضاق هذا المعنى الواسع للاجتهاد فأصبح لفظ "الاجتهاد" يدل على معنى خاص هو اجتهاد أولئك الذين لهم الحق في تقرير أحكام يجب أن يأخذ بها غيرهم. وقد حدث في هذا الموضوع خلاف بين المتكلمين والفقهاء استدعته طبيعته، ولا يزال يوجد إلى اليوم من المتكلمين من يقول إن الإنسان لا يصل بالتقليد إلى إيمان منجّ (انظر مثلًا فضالى: كفاية العوام، في مواضع مختلفة، وترجمة ماكدونالد في كتابه - Develop ment of Muslim Theology ص ٣١٥ - ٣٥١) ومع ذلك فقد كان الفقهاء جميعًا -منذ قرون كثيرة- يعتبرون مقلدين وإن تفاوتوا في درجة التقليد، ذلك لأن
المسلمين عندما أخذوا في عصور متأخرة ينظرون في نشأة المذاهب الأربعة خصوا بالاجتهاد كله مؤسسى تلك المذاهب وبعض من عاصرهم، فقد كان من حق هؤلاء أن يلتمسوا لكل ما يعرض لهم من مسائل حلا برأيهم الخاص، معتمدين في ذلك على القرآن والسنة والقياس والاستحسان والاستصلاح والاستصحاب إلخ ... إذ كان كل منهم مجتهدًا "مطلقًا". ثم جاء بعدهم من حذا حذوهم ولكن في حدود المذهب الذي يقلدونه، فسبيَّن هؤلاء "فروع" المسائل كما حدد الأئمة "أصول" الفقه وجمعوا لها "النصوص". وكان مجتهدو المذهب يطلقون كلمة "وجه" على المعنى الذي يفيده ضمنًا نص الإمام. ثم جاء بعدهم كذلك من كان أقل شأنًا، وهم أولئك الذين كان من حقهم -بما لهم من علم بمذاهب المتقدمين- أن يفتوا فيما يعرض عليهم من المسائل، وقد أطلق عليهم "المجتهدون بالفتوى"، ومع إن كل مجتهد هو مفت على نحو ما، إلا أن المجتهد بالفتوى ليس إلا مفتيًا فقط، على هذا كان أمر الاجتهاد في الجملة. بيد أنه كان يظهر من حين إلى آخر أفراد يدفعهم الطموح وإنكار الجمود إلى الرجوع للاجتهاد بمعناه الأول، فسوغوا لأنفسهم أن يجتهدوا برأيهم معتمدين على النصوص الأولى، من هؤلاء ابن تيمية المتوفى عام ٧٢٨ هـ وهو حنبلى المذهب (Die Za-: Goldziher