للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهناك تباين واختلاف يبدوان عند موازنة الروايات بعضها ببعض؛ كما أن هذه الروايات فيها مسحة من التمجيد. فقد دعا عاصم ربه عند مقتله أن يخبر نبيه [- صلى الله عليه وسلم -] في مكة نبأ هذا الحادث فاستجاب الله له. وأحاطت الدَّبْر (١) بجسده ومنعته عن عدوه ثم جاء الوادي فذهب به. ويذكر الواقدى (ص ١٥٥) أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] أخبر بهذا الحادث مع قصة بئر معونة. ويقول ابن هشام (ص ٦٤١) إن خبيبًا لا عاصمًا هو الذي دعا الله أن يخبر النبي [- صلى الله عليه وسلم -] بخبر هذا الحادث. ويذهب الزهري وعروة (انظر رواية عروة المقتضبة في الواقدى، ص ١٥٦) إلى أن الرجال العشرة إنما خرجوا في سرية عينًا على أهل مكة، ويذهب ابن هشام (ص ٦٣٨) والواقدى (ص ١٥٧) وابن سعد (جـ ٢، القسم الأول، ص ٣٩ وما بعدها؛ جـ ٣، القسم الثاني، ص ٣٣ وما بعدها) إلى أنهم عشرة فقهاء كانوا متوجهين إلى إحدى القبائل يبصرون أفرادها بأمور الدين فغدر بهم أدلاؤهم وتركوهم لعدوهم. وهذه القصة عظيمة الشبه بالقصة التي حيكت حول مأساة بئر معونة التي وقعت في هذا الوقت نفسه. ويذكر الواقدى في أخبار العام السادس الهجري أن خبيبًا لم يكن وقتذاك أسيرًا في يد أهل مكة (ص ٢٢٧). والرواية التاريخية الوحيدة المعول عليها هي التي تذهب إلى أن الحادث وقع بعد غزوة أحد، وذلك لأن عاصما كان ممن شهدوها. وقد ذكر هذا الحادث في سيرة ابن هشام تحت عنوان قصة يوم الرجيع في سنة ثلاث للهجرة. أما الواقدى فقد أورده في حوادث السنة الرابعة.

وكانت شخصية هذا المثال الأول من أمثلة الشهداء مدعاة للعجب، ذلك أن ابنة الحارث (وفي رواية أخرى ماوية مولاة حُجَير ابن أبي إهاب) وهي التي حبس خبيب في بيتها، طلعت عليه يومًا وفي يده قطف من عنب يأكله، مع أن هذه الفاكهة لم يكن لها وجود في مكة. وطلب حين حضره القتل موسى يتطهر بها (وهي العادة المرعية في مثل هذه


(١) الدبور (والباء غير مشددة)، والدبر: الزنابير من النحل، ويسمى عاصم رضى الله عنه لذلك (حمى الدبر).