بلاد العرب. وقيل إن بعض هذه العمائر من إنشاء اليهود في كتاب أخبار العرب أو أنها بنيت على غرار المنشآت المماثلة لها في اليمن، وقد أدخلها المهاجرون إلى يثرب. واستقر الخزرج بادئ الأمر على تخوم المدينة شأنهم شأن الأوس، ولكن سرعان ما وطدوا سلطانهم وتحكموا في بعض هذه الآطام لتكاثر عددهم بسرعة بالقياس إلى اليهود الذين كانوا مستقرين في هذه المدينة. وتذكر الروايات أن السبب المباشر في نشوب أول حرب بين الخزرج واليهود هو أن أميرًا من أسرة زهرة اليهودية يدعى القيطن عقد العزم على أن يتزوج قهرًا امرأة من قبيلة الأوس، فكان من أمره أن قتله أخو العروس، ومن الواضح أن اسم القيطن مختلق، وما هو إلا الاسم اليونانى وكانت عاقبة ذلك أن استنجدت القبائل المتحالفة بالغساسنة في الشام وباليمنيين في جنوبى بلاد العرب، كما أنها قتلت كثيرًا من أبرز رجالات اليهود؛ وما إن استولت هذه القبائل على الجزء الأكبر من المدينة حتى شبَّ الخصام بينها. فقد كانت السمات المميزة لتكوين هذه المدينة -وهي تتألف من عدد من المنازل القائمة برأسها تقوم بينها الحصون- تحول دون استمرار الحروب داخل حدود هذه المدينة أمدًا طويلًا. ولم يكن عدد الأوس أو الخزرج كبيرًا، ومن ثم تحالفت كل بدورها مع القبائل الرحل النازلة في البلاد المحيطة بيثرب. وكانت الخزرج أكثر عددًا من الأوس، ولذلك رأت الأوس أن تتكاتف مع الخزرج فكانت تتحالف في أوقات مختلفة مع قبيلة سليم، كما كانت تلقى العون بوجه عام من قبل اليهود. ولم يحدث التوازن أو التعادل بين القوى المختلفة في يثرب إلا بعد وقعة بعاث التي منيت فيها الخزرج بهزيمة ماحقة. ومهما يكن من الأمر فإن الحروب المتقطعة بين هاتين القبيلتين وما كان يعقبها من وقائع الأخذ بالثأر ظلت موصولة لا يخمد لها أوار. وحدث التغير الشامل نتيجة لهجرة النبي محمد [- صلى الله عليه وسلم -] من مكة إلى يثرب، فقد بلغ ضاحية قباء في الثاني عشر من ربيع الأول (الثلاثاء ٢٩ يونية