انقلبت الكفة. وحين انتشرت الشائعة بأن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] سقط قتيلا أخذ المسلمون في التخاذل، ثم عم الهرب أخيرًا. وفي الحق إن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] لم تنله غير جراحات وأن نفرًا من أتباعه أفلحوا في إخفائه في المهواة. ومن حسن الحظ أن المكيين الذين كانوا أقل تجربة بالشئون العسكرية لم يعرفوا كيف يصلون نصرهم وأخذوا في الرجوع إلى ديارهم. وبهذا نجا النبي [- صلى الله عليه وسلم -] من أسوأ العواقب، وقدر له أن يحزن لفقد كثيرين من أتباعه من بينهم عمه حمزة الذي أحس حسرة خاصة لفقده. وليس من السهل أن نحصل على فكرة واضحة عن معاملة القتلى، إذ إن النقول تختلف أشد اختلاف. فيقال إن المدينيين أحضروا موتاهم أول الأمر إلى المدينة، غير أن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] سرعان ما منع هذا؛ وبعض هذه النقول يسمى قبرًا عامًا وضع فيه حفظة القرآن في الصف الأول، وأما عن الآخرين فقد دفن الشهداء فرادى أو اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة، وبعض المراجع تقول إن المقابر العامة المزعومة لشهداء أحد هي في الحقيقة لأولئك البدو الذين ماتوا جوعًا في حكم عمر (الواقدي، ترجمة فلهوزن، ص ١٤٣). وعلى أية حال فالأخبار كلها متفقة في ميلها إلى تمجيد حمزة. ويقال إن النبي [- صلى الله عليه وسلم -] كبّر عليه أولًا، وإن جثث الموتى الآخرين وضعت إلى جانبه واحد، إلى جانب الآخر وصلى عليهم محمد [- صلى الله عليه وسلم -] سبعين مرة، وكان يضمّن اسم حمزة الصلاة على كل جثة جديدة. وكان النبي [- صلى الله عليه وسلم -] يذهب بعد ذلك إلى أحد كل سنة ليزور قبر حمزة والقبور الأخرى، وهكذا فعل الخلفاء الأولون أيضًا، ويقال إن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] أمر النساء في ندب كل ميت من الأنصار أن يبدأن بندب حمزة، وبهذا غدا أحد من أعظم الأماكن شهرة لحج المسلمين. وبنى مسجد على قبر حمزة؛ وقد ذكره المقدسى، وهو يقع إلى الخلف من بئر قريبة من مقابر الشهداء الآخرين. وثمة وصف مختصر لابن جبير في القرن السادس الهجرى (الثاني عشر الميلادى) وقد ذكر قبل كل شئ مسجد حمزة إلى الجانب الجنوبى من التل على مسيرة ثلاثة أميال إلى الشمال من المدينة. والمسجد مبنى على مقبرته