ساد السلام فيها إلى حد ما, ولكن حدث في عام ٤٨٥ هـ (١٠٩٢ م) أن هاجمت قبيلة خفاجة حجاجا من بغداد بعد أن جاوزوا مدينة الكوفة. وبلغت الأخبار بغداد فأنفذت إليهم جندًا قتلوا منهم خلقا كثيرا، فذهب عنهم بأسهم وأصبحوا من بعد أعجز من أن يصيبوا أحدا بأذى كبير، ثم انقضت سنوات قلائل ونشب نزاع بين خفاجة وقبيلة عبادة الطيئية عام ٤٩٩ هـ (١١٠٥ م) على بعض الإبل المسروقة، واستطاعت عبادة أن تجند خمسمائة محارب، أما خفاجة فلم يستطيعوا أن يحشدوا مثل هذا العد ولكنهم استعانوا بصدقة بن منصور زعيم أسد فخرجوا من القتال منتصرين. ولم يطل أمد هذا الانتصار فقد استأصلت عبادة، يشد أزرها بدران ولد صدقة، شأفة بني خفاجة الذين اضطروا إلى ترك مراعيهم وهاموا على وجوههم شمالا صوب الشام. على حين احتلت عبادة فيما بعد البلاد المجاورة للسواد. ثم نسمع ببنى خفاجة ثانية عام ٥٣٦ هـ، ذلك أنهم أغاروا على العراق، ولكن الجنود الذين أنفذوا لقتالهم استطاعوا إجلاءهم في يسر بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة. ونستدل على مدى الضعف الذي أصاب بني خفاجة من أنهم قد اجتمعوا في عام ٥٥٦ هـ (١١٦١ م) في أرباض الحلة والكوفة سائلين إسعافهم بالطعام والتمر. والظاهر أنهم كانوا قد وعدوا بذلك، غير أن والى هاتين المدينتين رفضا إجابة سؤلهم وأنفذ قيصر وإلى الحلة مائتين وخمسين جنديا لطردهم كما أنفذ إليهم وإلى الكوفة مثل هذا العدد. واقتفى الجند أثر بني خفاجة الذين ركنوا إلى الفرار على طول نهر الفرات حتى رحبة الشام حيث توقفوا، ولم يستطيعوا الإمعان في الإرتداد، ونشب قتال بين الفريقين قتل فيه والي الحلة في حين احتمى أرغش والي الكوفة بوالى رحبة. فالتمس بنو خفاجة العفو معتذرين بأنهم أرغموا على القتال إرغامًا، فقد شدد عليهم النكير فلم يجدوا عن القتال بدا. وقد صادف اعتذارهم آذانا صاغية لأن الوزير ابن هبيرة الذي كان قد خرج لقتالهم رأى أنه من الحماقة أن يتعقبهم في جوف الصحراء. وكان عام ٥٨٨ هـ (١١٩٢ م)