للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خرج في رحلته الأولى إلى الآستانة فلقى فيها عدة علماء من ذوى الفضل ذكر منهم ابن عبد الغنى ومصطفى بن عربي والرِّبى داود اليهودي الذي درس عليه الرياضيات وكتب إقليدس. أما أستاذه الأول فكان سعد الدين بن حسن، فلما مات وتوفي من بعده شيوخه الآخرون، خلت الآستانة من العلماء. وعرف فضل الخفاجى في ذلك الوقت، فعين قاضيًا للرومللى، ثم ترقى فأصبح قاضى أسكوب في عهد السلطان مراد، ثم عينه هذا السلطان آخر الأمر قاضيًا لسالونيك. وقد درت عليه هذه المناصب الثراء الوفير، ثم بعث في النهاية قاضى عسكر لمصر. على أنه لم يتول هذا المنصب مدة طويلة إذ صرف عنه نتيجة للدسائس التي حيكت له في الآستانة، فعقد عزمه على زيارة هذه المدينة مرة أخرى ومر في رحلته بدمشق وحلب، واحتفى به العلماء في هاتين المدينتين. ولم تتحقق آمال الخفاجى من رحلته إلى الآستانة فنفس عن موجدته بتلك الفورة الأدبية التي أثمرت مؤلفه المعروف باسم "المقامات الرومية". ولم يعمد الخفاجى إلى تيسير الطريق في وجهه بل جر على نفسه حنق المفتى يحيى بن زكريا فأمر بمغادرة الآستانة من فوره. وعين من بعد قاضيًا من قضاة القاهرة اعترافا بعلمه، والظاهر أنه قد كرس بقية عمره للدرس والتأليف. وتوفي الخفاجى بالقاهرة في يوم الثلاثاء الموافق ١٢ رمضان عام ١٠٦٩ (٣ يونية ١٦٥٩). وقد أحصى الخفاجى معظم مؤلفاته في سيرته التي كتبها بنفسه، وكثير منها كبير الحجم، ويذكر الخفاجى نفسه أن كثيرا من رسائله لم تجمع قط في كتاب. وأكبر مؤلفاته شرح على تفسير البيضاوى عنوانه "عناية القاضى" وقد طبع هذا الشرح بالقاهرة في أربعة مجلدات كبار. ونهج في هذا الشرح المنهج الشاق الذي يقوم على تفسير كل كلمة تقريبًا.

وقد أورد روايات عدد كبير من المؤلفين الآخرين الذين تناولوا نفس الموضوع عند عرض الأحاديث والتفاسير. واتبع هذا المنهج أيضًا في وضع مؤلفه الكبير الثاني، وهو شرح على "الشفاء" للقاضى عياض، الذي درسه على إبراهيم العلقمى كما ذكرنا من قبل. وقد سماه "نسيم الرياض"