شأنهم شأن أسلافهم في دمشق، أما الفاطميون في مصر، الذين نادى زعيمهم بنفسه خليفة أول الأمر في المهدية عام ٩٠٩، فكانوا من الشيعة. وظل الفاطميون ينافسون العباسيين في بغداد منافسة مرة إلى أن قضى صلاح الدين على دولتهم عام ١١٧١.
واستولى هولاكو على بغداد عام ١٢٥٨ وقتل الخليفة المعتصم الذي لم يعقب ولدًا. وكانت هذه النكبة فريدة في تاريخ الإِسلام، ذلك أن المسلمين ألفوا أنفسهم لأول مرة ولا زعيم لهم من الوجهة النظرية يذكرون اسمه في خطبة الجمعة. وقد نجا اثنان من البيت العباسى من مذبحة بغداد، واحتمى كل منهما بعد الآخر بسلطان المماليك في مصر. فقد دعا بيبرس أولهما، وكان عم الخليفة المستعصم، إلى مصر ونادى به خليفة عام ١٢٦١ في حفل تجلت فيه مظاهر العظمة والأبهة. ويقال إن بيبرس طافت برأسه فكرة إعادة البيت العباسى إلى بغداد، ومن ثم غادر القاهرة على رأس جيش كبير، فلما بلغ دمشق زود الخليفة بفرقة صغيرة من الجيش هزمها المغل وهي تجتاز الصحراء، وعدنا لا نسمع شيئًا قط عن هذا الخليفة.
وبلغ الثاني القاهرة عام ١٢٦٢ وفيها نصب هو أيضًا خليفة، على أنه لم تبذل في هذه المرة تلك المحاولة الطائشة ألا وهي استعادة بغداد، وظل هذا الخليفة في واقع الأمر بمثابة سجين في القاهرة وإن أحيط بمظاهر الاحترام. وظل سلالته يتعاقبون على هذا المنصب الوهمى في القاهرة أكثر من قرنين ونصف قرن من الزمان معتمدين على كرم سلاطين المماليك الذين كانوا يرون أن وجود الخليفة في مصر يسبغ على حكمهم مظهرًا شرعيًا. فقد كان الخليفة ينصب كل سلطان جديد باحتفال وأبهة ويقدم السلطان بدوره ولاءه للخليفة. على أنه لم يكن لأحد من هؤلاء الخلفاء أية مشاركة في الحكم أو أي نفوذ سياسى، اللهم إلا إذا استثنينا الخليفة المستعين الذي اتخذته الأحزاب السياسية المتنافسة ألعوبة في أيديهم عام ١٤١٢ ونودى به سلطانًا مدة ستة أشهر. وقد وصف المقريزي الخليفة فقال إنه كان ينفق وقته بين