والجالس عليه يدعى أمينًا وصادقًا وبالعدل يحكم ويحارب".
ومن يكون هذا المبشر به بعد عيسى عليه السلام، والذى وصف بالأمين وبالصادق، غير محمد [- صلى الله عليه وسلم -]؟
وجاء كذلك في رؤيا يوحنا اللاهوتى (الإصحاح التاسع عشر، الآية ١٥): "ومن فيه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم ... وهو يدوس معصرة خمر".
وما أظننى إلا على التأويل الحق حين أقول: إن هذه الآية تحمل إشارتين صريحتين، إحداهما عن كلام الله الذي أجرى به تعالى لسان محمد [- صلى الله عليه وسلم -] وخرج من فيه أقوى مضاء من السيف في حجته وقطعه؛ وثانيهما ما جاء به الإسلام من تحريم الخمر، وما كانت محرمة على عهد عيسى عليه السلام، فلقد روى أنه صير الماء خمرًا في عرس قانا، كما حكى عنه أنه قال عن الخمر إنها دمه.
هذا ما جاء عن الشق الأول، وهو العام، في التوراة والإنجيل. وأما ما جاء عن الشق الثاني فيهما، وهو الذي فيه تنويه بالاسم، فإليك إجماله:
جاء في التوراة عن الترجمة العبرية (كمبردج سنة ١٩٣٤ م): "وعن إسماعيل سمعتك، هأنا باركته وأيمنته بمادماد" (سفر التكوين، الإصحاح السابع عشر، الآية ٢٠).
واهولى بمادماد: حصد [- صلى الله عليه وسلم -].
يقول ابن قيم الجوزية في كتابه: جلاء الأفهام (ص): وأما قول كثير من المفسرين إن المراد بهذين الحرفين: جدًا جدًا، ولكون لفظة "ماد" قد جاءت مفردة في التوراة بمعنى: جدًا، فهذا لا يصح، لأجل الباء المتصلة بهذا الحرف، فإنه ليس من الكلام المستقيم قول القائل: أنا أكرمك بجدًا ... وإذا كان هذا الحرف قد نقل من التوراة الأزلية وفيها هذا الحرف موصولًا بالباء، علم أن المراد غير ما ذهب إليه من قال هي بعنى "جدَّا" إذ لا تأويل يليق بها غير هذا التفسير، بدليل ما جاء في التوراة في غير هذا الموضع عن ولد إسماعيل: إنه يلد اثنى عشر شريفًا، ومن شريف واحد يكون شخص يسمى بمادماد. فقد صرحت التوراة أن هذين الحرفين اسم علم لشخص شريف معين من ولد إسماعيل، فبطل قول من قال إنه بمعنى