ومهما يكن من شئ فمن الثابت أن الوليد لقد جعل مجموعة المبانى الباقية إلى الآن مسجدًا واحدًا، وشيد المئذنة الشمالية المعروفة بمئذنة العروس التي استخدمت برجا للمراقبة كما يتضح من أقوال الكتاب المتأخرين، وأقام المصلى بفسيفسائها الجميلة في صورة لا تختلف في الجوهر عن الصورة التي تبدو عليها الآن، فهي معبد له ثلاثة صحون ومحراب، وتعلوه القبة المشهورة المعروفة بقبة النصر. (انظر عن هذا الاسم Zeitschrift der Deutschen Morgenl. Ges , جـ ٦٠، ص ٣٦٩ , ٧٠٢؛ جـ ٧٤، ص ٦٦١؛ أما عن القيمة الفنية للمسجد فانظر أَيضا H. Saladin: Manuel d' Art Musulman جـ ١، ص ٨٠ - ٨٧؛ Van Berchem & Strzygowski: Amida, ص ٣٢٦ وما بعدها).
ولم يفعل الخلفاء المتأخرون شيئًا كثيرًا لدمشق، ونقل بعض المروانيين حاضرة الخلافة إلى مكان آخر، في حين كان ينفق غيرهم شطرا كبيرا من السنة في قصورهم بالبادية، أما قصور دمشق العظيمة التي كانت خليقة بإظهار مجد الأمويين لو كتب لها البقاء فقد ذهبت طعمة للثورة التي انتابت العباسيين في سعيهم إلى محو آثار أسلافهم. وقام بالمدينة في عصر متأخر سجن في موضع الخضراء، وحسبنا أن نذكر قصرًا أمويا واحدا آخر هو قصر الحجاج نسبة إلى الحجاج بن عبد الملك ابن مروان، ذلك أن الطريق الكبير المؤدى إلى الربض الجنوبى الغربى المعروف بربض الميدان لا يزال يحمل اسمه إلى وقتنا هذا، وكان هذا القصر خارج الباب الصغير وباب الجابية (ياقوت، جـ ٤، ص ١١٠ ومن ثم يتضح لنا أن قول فون كريمر Von Kremer في كتابه Topigraphie, جـ ١ ص ١٤ غير مقنع، انظر المجلة الأسيوية، السلسلة التاسعة، جـ ٧، ص ٣٧٩).
وقد رسم فون كريمر (جـ ١، ص ١١٤ Culturgeschichte) صورة شائقة جدا للحياة في حاضرة الخلافة، ومن سوء الحظ أننا لا نعرف إلَّا النزر