وبالجملة لا يمكننا إطلاقًا أن نفهم أهمية أحمد من الوجهة التاريخية إذا قصرنا دراستنا على شخصيته وحدها، ولكنا نستطيع ذلك إذا قلنا إنه -باعتباره من المتصوفة والأولياء- قد تركزت فيه شتى رغائب معاصريه وميولهم بل ورغائب الذين سبقوه وجاءوا بعده أيضًا. فقد أدخله الناس فى ميدان الأساطير من مناح عدة. وسبق أن ذكرت أن من المحتمل أن تكون تواريخ موالد أحمد بقية من أعياد الجاهلية. وأنا الآن أميل إلى الاعتقاد بأن النضال الذى ذكرناه بين أحمد البدوى وفاطمة بنت يرى والذى لم يفسر بعد، أعمق من أن يكون مقصورًا على ترويض امرأة. وقد لاحظ ماسبيروه Maspero وإيبرز Ebers وكولدسيهر Goldziher أن التوسل بأحمد خالطته عناصر مصرية قديمة. ونضيف إلى ما فى هذا التوسل من مظاهر تنافى الأخلاق لاحظها كولدسيهر. وإنى أميل إلى القول بوجود أثر أسطورى فى القصة التى رواها الشعرانى وغيره عن لثامى أحمد، إذ مسألة يومًا تلميذه وخليفته فيما بعد: عبد المجيد، أن يرفع لثامه ليرى وجهه فحذره قائلًا:"منظرة برجل" فلما أصر كشف له اللثام الفوقانى فصعق (قارن هذه القصة بالقصة التى تروى عن ابن جلا والتي لم يعرف العرب القدماء معناها ومبناها؛ الطبرى، ج ٢، ص ٨٦٤، س ٢؛ ص ٨٦٦، س ٩؛ الكامل، طبعة رايت Wright، جـ ١، ص ١٢٨، س ١٨، ص ٢١٥، س ١٤؛ ابن يعيش، ص ٧٣، س ١٢؛ البيضاوى، جـ ١، ص ٢٩٩، س ٢٥, Archiv. F. Religionswissensch, جـ ٩، سنة ١٩٠٦ م، ص ٨٣، ١٧٧). وكانت الدعوات توجه لأحمد البدوى من جميع نواحى القطر المصرى، ولم تكن الموالد التى تقام له مقصورة على مدينة طنطا بل تعدتها إلى القاهرة فى كثير من الأحيان -عند الأحمدية مثلا، أضف إلى هذا أنها كانت تقام فى القرى الصغيرة أيضًا مثل برمبال (على مبارك، جـ ٩، ص ٣٧، س ٢٤). ويصعب أن نتثبت مما إذا كانت الأضرحة والمقامات التى تنسب إلى السيد البدوى