للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} (سورة البقرة، الآية ٨٠) (١) وجاء في القرآن الكريم أَيضًا (سورة الأعلى الآيات من ١٦ - ١٨) (٢) {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}. ونحن نستدل من هذه الآيات أن محمدًا [- صلى الله عليه وسلم -] لم يدع أنَّه أتى بجديد في هذا الشأن وهو يتلو هذه الآيات.

ويروى الإِمام الأشعرى عبارة أخرى تصور الدنيا تصويرًا لطيفا فيقول: أحذركم من الدنيا فهي مرج براق خداع يخدع ساكنيه كما جاء في القرآن {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} (سورة الكهف، الآية ٤٤). (٣) {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (سورة الرَّحْمَن، الآية ٢٥) (٤) فلتراعوا إذن في أعمالكم الآخرة والحياة الباقية (٥).

ويورد الغزالى في رسالته "الدرة الفاخرة" أن الله تعالى يقول عند قيام الساعة حين لا يبقى في العالم كائن حي "يا دنيا، يَا دنية أين أربابك، أين أصحابك، فتنتهم ببهجتك وشغلتهم عن آخرتهم بزهرتك" ثم إن الغزالى يصف


(١) رقم الآية في المصحف العثماني هو ٨٦.،
(٢) ينبغي أن تكون الأرقام ١٦ - ١٩.
مهدى علام.
(٣) رقم الآية في المصحف العثماني هو ٤٥.
(٤) رقم الآية في المصحف العثماني هو ٢٦.
(٥) أورد كاتب هذا النص ولم يذكر المصدر الذي استقاه منه، وقد بحثنا عنه في كل المظان التي يحتمل وروده فيها فلم نجده، ومن ثم لم نجد بدًا من ترجمته. الذي يرمى إليه الإِسلام في التحقير من شأن الدنيا هو العكوف عليها والانصراف عن الآخرة إليها. أما الاعتدال في العيش، والتمتع بما أحل الله في الدنيا من غير إسراف فهو سياسة دعا إليها الإِسلام من غير تردد، تدبر مثلا قوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (الأعراف ٣١ - ٣٢).
راجع في هذا الموضوع "نظرية الوسط في الفضيلة بين فلاسفة اليونان وفلاسفة المسلمين، لمهدى علام في "صحيفة دار العلوم" العدد الثالث، السنة الثَّانية، يناير ١٩٣٦.