المنام ليلة وفاة ذى النون أنهم سمعوا محمدا [- صلى الله عليه وسلم -] يقول: "قد لقيت ذا النون خليل الله".
على أنَّه ينبغي أن يفهم أن هذا الإنكار إنما يعنى أن ولايته كانت موضع أخذ ورد لا أنَّه كان يحيا حياة مستخفية، إذ نحن نتبين من حياة الصوفية أنَّه كان له تلاميذ من معاصريه. ويذكر المترجمون له أنَّه كان ذا تأثير قوى على أهل مصر، إلى الحد الَّذي جعل حُساده ينظرون إليه على أنَّه زنديق، ويسعون به لدى الخليفة المتوكل، فاستحضره الخليفة إلى بغداد، وأودره السجن لساعته، ولكنه سرعان ما ملك عليه نفسه بصبره وأفحمه ببيانه، فإذا هو يرده إلى مصر مكرمًا، وتظهرنا هذه الوقعة على ما أثاره
التصوف في عهوده الأولى من شك حوله. وقد كان ذو النون - كما ورد في كتاب نفحات الأنس - أول من تعاطى علانية التعاليم الصوفية. وفى الكتاب الثانى من مثنوى جلال الدين الرومى قصة طويلة تشير إلى هذه الشكوك، أو إلى هذه الحيرة التي ولدها مذهب ذى النون. فأصحابه ينظرون إليه على أنَّه مجنون ومقيد:"وعندما يكون السلطان إلى الفساق فلابد من أن يودع ذو النون السجن" على حد قول الشاعر.
وهنا يكون الزاهد علما على المعرفة الذوقية التي يزدريها العامى الَّذي لا يفقهها.
وينسب إلى ذى النون كثير من الأقوال: فمن ذلك مثلا قوله: "إن العارف يزداد في كل يوم تواضعًا لأنه يزداد في كل لحظة قربًا من مولاه"، وقوله:"المعرفة هي ما يفيضه الله من نوره على قلوبنا".
والكنية "ذو النون" ومعناها "صاحب الحوت" قد أطلقت على النبي يونس (عليه السلام) في القرآن الكريم (سورة الأنبياء، آية ٨٧).
المصادر:
(١) الهجويرى: كشف المحجوب (ترجمة نيكلسون) في مجموعة كب التذكارية، ص ١٠٠ - ١٠٣.
(٢) جلال الدين الرومى، المثنوى (ترجمة س. أ. ولسون، لندن ١٩١٠) ج ٢، ص ١٢١ - ١٢٨.