الأوربية فإنه لم يرجع إلى أى مصدر فرنسى سوى مذرات نابوليون التى كتبها فى سانت هيلانة وأعاد صياغة مصنفات أسلافه، بيد أنه كان مستقلا فى الرأى إلى حد أن سرده للحوادث كان يتسم بطابع عبقريته وعقله الناضج وفى أثناء حكم عبد المجيد وعبد العزيز تمكن أحمد من الرجوع إلى المحفوظات الرسمية، ولكن يلوح لنا أنه لم يرجع إليها فى تأليفه المجلدات الثلاثة الأخيرة. كما نستطيع أن نقول بصفة عامة إنه رتب الحوادث ترتيبًا زمنيًا، ولو أنه كان من المهارة بحيث لم يمزج الحروب بالحوادت المحلية مزجًا عشوائيا فى سبيل المحافظة على الترتيب الزمنى. ولم يكن أسلوبه مشرقا، بل سار فى المجلدات الخمسة الأولى على طريقة المؤرخين القدماء فكان أسلوبه خطابيًا فخما ثم تنحى عن هذأ الأسلوب فجأة فى أوائل المجلد السادس، فتوخى البساطة التى بدأ الكتاب يتوخونها فى هذا العصر. على أننا نستطيع أن نعتمد على هذا المصنف بوجه عام، وكان يذكر فى إلماته السريعة بالقرون الماضية حوادث ليست بذات بال ويجعل منها غزوات موفقة وانتصارات حاسمة فى حين أنه مرّ مر الكرام على هزيمة الترك المنكرة التى كان من نتائجها ضياع المجر بأجمعها من أيديهم ولكننا نستطيع مع ذلك أن نغتفر له مثل هذا التجاهل إذا أخذنا المؤرخ تاكيتوس Tacitus نموذجا ومثالا.
وكان أحمد جودت باشا مقتنعًا تمام الاقتناع بفائدة دراسة التاريخ فى التربية فهو يحذر مواطنيه دائمًا من فساد الإدارة عند الشرقيين، كما كان يوجه اهتمامه إلى عهود التقدم مهما تضاءلت يستعرضها فى إيجاز بليغ ويجعل منها وسيلة لإنهاض وطنه؛ يظهر هذا بصفة خاصة فى أفكاره القيمة التى وردت كثيرًا فى المجلدات الخمسة الأولى، ولعل أكثر ما كان يضجره هذا الانتقال الفجائى من الركود التام إلى النشاط العجيب الذى كان يتمثل جليًّا فى القرون الماضية وليس هناك شخص تأخذه الحماسة لانتصارات العلم أكثر من أحمد جودت باشا كما أنه يفيض وطنية عندما يشيد